أحدهما: أن يكون أخبار آحاد يحتمل التواطئ، فَلَا تَبْطُلُ بِهَا الْقَسَامَةُ، وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى نُفُوذِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا الْخَبَرِ ابْتِدَاءُ اللَّوْثِ، لَمْ يَبْطُلْ بِهَا مَا ثَبَتَ مِنَ اللَّوْثِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَخْبَارًا منتشرة ينتفي عنها حد التواطئ وَلَا تَبْلُغُ حَدَّ الِاسْتِفَاضَةِ، فَيَبْطُلُ بِهَا اللَّوْثُ، وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِهَا ابْتِدَاءُ اللَّوْثِ جَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ اللَّوْثِ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِهَا الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ الْأَسْبَابِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ الْحُكْمَ فِي الِابْتِدَاءِ فَجَازَ أَنْ تَبْطُلَ بِهَا الدَّعْوَى، وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ الدَّعْوَى، وَصَارَتِ الدَّعْوَى مُتَجَرِّدَةً عَنْ لَوْثٍ فَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِمَا قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَفِي أَيْمَانِهِ قولان: على ما مضى -
أحدهما: خمسين يميناً.
والثاني: يميناً وَاحِدَةٌ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَلَا يُجْزِئُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَيْمَانِهِ فِي الْقَسَامَةِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا، فَأَمَّا إِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ دُونَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الْقَسَامَةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِغَيْرِ مُطَالِبٍ، وَفِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِإِكْذَابِهِمَا بِالدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، لَكِنْ يَصِيرُ تَجْدِيدُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ مُبْطِلًا لِلْقَسَامَةِ مَعَ الْأَوَّلِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الثَّانِي، لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي الْقَسَامَةِ عَلَى الْأَوَّلِ كَانَتْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَإِقْرَارُ الثَّانِي يَقِينٌ، فَلَمْ يَسْقُطْ حُكْمُ الْيَقِينِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ وَقَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ الْقَتْلِ غَائِبًا لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ، لِأَنَّهُ أَكْذَبَهَا بِإِقْرَارِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعِي بَعْدَ قَسَامَتِهِ بِمَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَبْطُلُ بِهِ قَسَامَتُهُ وَدَعْوَاهُ وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ كَذَبَ فِي دَعْوَاهُ، أَوْ يَقُولَ قَتَلَ أَبِي غَيْرُهُ، أَوْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا عِنْدَ الْقَتْلِ فِي بَلَدٍ آخَرَ، أَوْ كَانَ مَحْبُوسًا، فَيَكُونُ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مُبْطِلًا لِقَسَامَتِهِ وَدَعْوَاهُ، فَإِنْ عَادَ فَادَّعَى قَتْلَ أَبِيهِ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِتَكْذِيبِهَا بِالدَّعْوَى الْأُولَى.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُبْطِلُ قَسَامَتَهُ وَلَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ - وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَقْتُولَ نُقِلَ إِلَى مَحَلَّتِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ، فَتَبْطُلُ بِهِ قَسَامَتُهُ لِاعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ اللَّوْثِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلَّتِهِ، فَتَصِيرُ الدَّعْوَى مُتَجَرِّدَةً عَنْ لوث، فيكون