الِابْنُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ وَحَلَفَتِ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا لَمْ تَتَبَعَّضْ جُبِرَ كَسْرُهَا.
فَإِذَا حَلَفُوا لَمْ يَخْلُ الْقَتْلُ من أن يكون موجب لِلْقَوَدِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ لَهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْقَوَدِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ خَطَأً مَحْضًا فَتَكُونُ الدِّيَةُ بَعْدَ أَيْمَانِ الْأَوْلِيَاءِ مُخَفَّفَةً عَلَى عَوَاقِلِ الْقَتَلَةِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا انْفَرَدَتْ عَاقِلَتُهُ بِالْعَقْلِ، وَإِنْ كَانُوا جماعة، قسمت على أعداد رؤوسهم وَتَحَمَّلَتْ عَاقِلَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَهُ مِنَ الدِّيَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدَ الْخَطَأِ، فَتَكُونُ الدِّيَةُ بَعْدَ أَيْمَانِ الْأَوْلِيَاءِ مُغَلَّظَةً عَلَى عَوَاقِلِ الْقُتَلَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَمْدًا مَحْضًا سَقَطَ الْقَوَدُ فِيهِ لِكَمَالِ الْقَاتِلِ وَنَقْصِ الْمَقْتُولِ، كَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ، وَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ مَعَ الْوَلَدِ، وتكن الدِّيَةُ بَعْدَ أَيْمَانِ الْأَوْلِيَاءِ مُغَلَّظَةً فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ حُكْمِ الْعَمْدِ فِي الدِّيَةِ.
(فَصْلٌ)
وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ فَهَلْ يُسْتَحَقُّ القود بالقسامة، ويشاط بِهَا الدَّمُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَحَكَمَ بِهِ فِي أَيَّامِهِ، أَنَّ الْقَوَدَ بِهَا ثَابِتٌ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ: يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيَدْفَعُ بِرُمَّتِهِ يَعْنِي لِلْقَوَدِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَتَلَ بِالْقَسَامَةِ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَضْرِ بْنِ مَالِكٍ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِهِ الْقَتْلُ تَعَلَّقَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ كَالْبَيِّنَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ.
وَبِهِ قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي الْقَسَامَةِ وَتَجِبُ بِهَا الدِّيَةُ وَدَلِيلُهُ - مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَتَبَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ فِي قِصَّةِ الْأَنْصَارِ، " إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ تُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ) فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ، دُونَ الْقَوَدِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَقَبْلَ وُجُوبِ الْقَوَدِ قِيلَ إِنَّمَا كَتَبَ بِذَلِكَ بَيَانًا لِلْحُكْمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقَسَامَةِ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ كَمَا لَمْ يَجِبِ الْقَوَدُ، وَلِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُدَّعِي هِيَ غَلَبَةُ ظَنٍّ فَصَارَ شُبْهَةً فِي الْقَوَدِ، وَالْقَوَدُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ