بِأَقْرَبِ الْحَيَّيْنِ وَأَحْلَفَهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ فَقَالُوا: مَا وَقَتْ أَمْوَالَنَا أَيْمَانُنَا وَلَا أيماننا أموالنا فقال عمر حصنتم بأموالكم دمائكم وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُنْتَشِرَةٌ لَمْ يَظْهَرْ لِعُمَرَ فِيهَا مُخَالِفٌ فَكَانَتْ إِجْمَاعًا. وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي قَوْلُهُ فَلَمْ يُوجَبِ الْحُكْمُ لَهُ كَالدَّعْوَى وَلِأَنَّهَا دَعْوَى فَلَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّ كُلَّ دَعْوَى لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي عِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ، لَمْ يُحْكَمْ فِيهَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ وُجُوبِ اللَّوْثِ كَالْأَطْرَافِ.
وَدَلِيلُنَا: الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ حِينَ ادَّعَوْا قَتْلَ صَاحِبِهِمْ عَلَى الْيَهُودِ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ رَوَاهُ عَبَّادٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَرَجَ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا سَهْلٍ إِلَى خَيْبَرَ يَمْتَارُونَ فَتَفَرَّقُوا لِحَاجَتِهِمْ فَمَرُّوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ قَتِيلًا فَرَجَعُوا إِلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا قَسَامَةً تَسْتَحِقُّونَ بِهِ قَتِيلَكُمْ قَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ غِبْنَا عَنْهُ قَالَ: فيحلف اليهود خمسين يميناً فيبرؤون. فَقَالُوا: نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَالٍ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ - أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ) . فَبَدَأَ بِهِمْ، وَجَعَلَ الدَّمَ مُسْتَحَقًّا بِأَيْمَانِهِمْ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِغَيْرِهِمْ وَيَجْعَلُ الدَّمَ مُسْتَحَقًّا بِأَيْمَانِ غَيْرِهِمْ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَنَقَلَ الْأَيْمَانَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ وَجَعَلَهَا مُبْرِئَةً لَهُمْ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْقُلُ الْأَيْمَانَ وَلَا يُبْرِئُ بِهَا مِنَ الدَّمِ، فَاعْتَرَضُوا عَلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أبي حثمة من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ كَانَ طِفْلًا لَا يَضْبِطُ مَا يَرْوِيهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَدْ كَانَ ضَابِطًا لِحَالِهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ لِسَهْلٍ حِينَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَمَانِ سِنِينَ وَقَدْ عَمِلَ التَّابِعُونَ بِمَا رَوَاهُ.
وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي: أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ رَوَى عَنْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَدَأَ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهَا رِوَايَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا سُفْيَانُ وَشَكَّ فِيهَا هَلْ بَدَأَ بِأَيْمَانِ الْأَنْصَارِ أَوِ الْيَهُودِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهِمَ سُفْيَانُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَالِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ: أَنَّ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ رَوَى عَنْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟
قَالَ: محمد بن الحسن قال تلك لهم على وجه الإنكار عليهم ما قال تعالى