الحاوي الكبير (صفحة 5984)

الضَّارِبِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ غُرَّةٌ وَلَا دِيَةٌ، وَكَانَ مُخْتَصًّا بِضَرْبِ الْأُمِّ وَإِجْهَاضِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ ضَرْبِهَا إِلَّا أَنْ تُؤَثِّرَ فِي جَسَدِهَا، وَفِي وُجُوبِ الْحُكُومَةِ عَلَيْهِ فِي إِجْهَاضِهَا قَوْلَانِ تَقَدَّمَا.

فَإِنْ كَانَتْ حَيَاةُ الْجَنِينِ ضَعِيفَةً لَا يَعِيشُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ أَوْ بَعْضِهَا فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّالِفِ بِالضَّرْبِ الْمُتَقَدِّمِ دُونَ الْقَتْلِ الْحَادِثِ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى الضَّارِبِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ قَوَدٌ بِحَالٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَيَكُونُ فِي حُكْمِ مَنْ قَطَعَ مَذْبُوحًا بِاثْنَيْنِ أَوْ ضَرَبَ عُنُقَ مَبْقُورِ الْبَطْنِ فَخَرَجَ الْحَشْوَةُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ قَاتِلَهُ دُونَ الثَّانِي، فَيُعَزَّرُ وَلَا يَلْزَمُهُ غُرْمٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، فَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي حَيَاتِهِ عنْه قَتْل الثَّانِي هَلْ كَانَتْ قَوِيَّةً يَضْمَنُهَا الثَّانِي أَوْ ضَعِيفَةً يَضْمَنُهَا الْأَوَّلُ؟ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الثَّانِي مَعَ يَمِينِهِ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَهُ، لِأَنَّنَا عَلَى يَقِينٍ من ضمان الأول بضرب وفي شك من ضربان الثَّانِي بِالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ ضَعْفُ الْحَيَاةِ حَتَّى يعلم قوتها.

(مسألة)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ ضَرَبَهَا فَأَلْقَتْ يَدًا وَمَاتَتْ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ لِأَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ جَنَى عَلَى الْجَنِينِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَلْقَتْ مِنَ الضَّرْبَةِ يَدًا وَمَاتَتْ ضَمِنَ الْأُمَّ وَالْجَنِينَ، ضَمِنَ دِيَةَ نَفْسِهَا، وَغُرَّةَ جَنِينِهَا، وَإِنْ لَمْ تُلْقِهِ، لِأَنَّ إِلْقَاءَ يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُخْلَقُ عَلَى انْفِرَادٍ حَتَّى تَكُونَ مِنْ جَسَدٍ، فَلَوْ أَلْقَتْ بَعْدَ الْيَدِ جَنِينًا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ يَدٌ فَتِلْكَ الْيَدُ مِنْهُ فَتَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ جَنِينٌ وَاحِدٌ إِنْ كَانَ الْجَنِينُ كَامِلَ الْيَدَيْنِ فَتِلْكَ الْيَدُ مِنْ جَنِينٍ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ غُرْمَانِ وَكَفَّارَتَانِ، لِأَنَّهُمَا جَنِينَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْيَدُ يَدًا زَائِدَةً قِيلَ مَحَلُّ الْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ مُخَالِفٌ لِمَحَلِّ الْأَعْضَاءِ الَّتِي مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا فِي الْجَنِينِ أَثَرُ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ أَثَرُ الزِّيَادَةِ فَفِيهِ غُرْمَانِ، وَإِنِ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا يَقِينٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي إِلْقَاءِ الْيَدِ، فَإِنْ أَلْقَتْهَا قَبْلَ مَوْتِهَا وَرِثَتْ مِنَ الْغُرَّةِ، وَإِنْ أَلْقَتْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهَا، وَلَوْ أَلْقَتِ الْيَدَ قَبْلَ مَوْتِهَا وَالْجَنِينَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَإِنْ كَانَتِ اليدين مِنَ الْجَنِينِ فَفِيهِ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ تَرِثُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهَا غُرَّتَانِ تَرِثُ مِنَ الْأُولَى وَلَا تَرِثُ مِنَ الثَّانِيَةِ.

(فَصْلٌ)

ولو عاشت المضروبة بعدم إِلْقَاءِ الْيَدِ وَلَمْ تُلْقِ بَعْدَ الْيَدِ جَنِينًا لَمْ يَضْمَنِ الضَّارِبُ إِلَّا يَدَ جَنِينٍ بِنِصْفِ الْغُرَّةِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْحَيِّ مَضْمُونَةٌ بِنِصْفِ دِيَتِهِ فَضُمِنَتْ يَدُ الْجَنِينِ بِنِصْفِ غُرَّتِهِ، وَلَا يُضْمَنُ بَاقِي الْجَنِينِ، لِأَنَّنَا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا اصْطَدَمَتِ امْرَأَتَانِ حَامِلَتَانِ فَمَاتَتَا وَأَلْقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَنِينًا مَيِّتًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015