وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ قَلِيلِ الِاسْتِهْلَالِ وَكَثِيرُهُ فِي ثُبُوتِ الْحَيَاةِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ قَلِيلِ الْحَرَكَةِ وَكَثِيرُهَا فِي عَدَمِ الْحَيَاةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى حَيَاةِ الْكَبِيرِ دَلَّ عَلَى حَيَاةِ الصَّغِيرِ كَالِاسْتِهْلَالِ، وَلِأَنَّ مَنْ دَلَّ الِاسْتِهْلَالُ عَلَى حَيَاتِهِ دَلَّتِ الْحَرَكَةُ عَلَى حَيَاتِهِ كَالْكَبِيرِ.
فَأَمَّا الْخَبَرُ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْحَرَكَةِ، وَأَمَّا قَلِيلُ الْحَرَكَةِ فَمَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الِاخْتِلَاجِ دَلَّ عَلَى الحياة من قليل كثير، وَمَا كَانَ اخْتِلَاجًا فَلَيْسَ بِحَرَكَةٍ فَقَدِ اسْتَوَى حُكْمُ الْحَرَكَةِ فِي قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِهْلَالِ وَالْحَرَكَةِ فِي ثُبُوتِ الْحَيَاةِ سَوَاءٌ فَمَتَى كَانَ الِاسْتِهْلَالُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ أَنَّهُ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ، وَإِنِ اسْتَهَلَّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عِنْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ مِنْهَا وَبَقَاءِ بَعْضِهِ مَعَهَا ثُمَّ انْفَصَلَ مِنْهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ وَلَمْ تَكْمُلْ دِيَتُهُ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: إِنْ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ عِنْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ فِي الْمِيرَاثِ وَكَمَالِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ خُرُوجِ أَقَلِّهِ لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ، وَهَذَا خَطَأٌ من وجهين:
أحدهما: أَنَّهُ إِنْ جَرَى عَلَى مَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ حُكْمُ الْحَيَاةِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ فِي ثُبُوتِهَا لِلْعِلْمِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجُرْ حُكْمُهَا عَلَى الْقَلِيلِ لَمْ يَجْرِ عَلَى أَكْثَرِهِ لِلِاتِّصَالِ وَعَدَمِ الِانْفِصَالِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى خُرُوجُ أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْمِيرَاثِ وَكَمَالِ الدِّيَةِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا وَثَبَتَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ بِاسْتِهْلَالٍ أَوْ حَرَكَةٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَخْلُو حَالُ مَوْتِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَقِيبَ سُقُوطِهِ، أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، فَإِنْ مَاتَ عَقِيبَ سُقُوطِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَوْتِهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ ضَرْبِ أُمِّهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالضَّرْبِ حُكْمُ إِسْقَاطِهِ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمُ مَوْتِهِ إِلَّا أَنْ تَحْدُثَ عَلَيْهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ جِنَايَةٌ فَيَصِيرَ مَوْتُهُ مَنْسُوبًا إِلَى الْجِنَايَةِ الْحَادِثَةِ دُونَ الضَّرْبِ الْمُتَقَدِّمِ، مِثْلَ أَنْ تَنْقَلِبَ عَلَيْهِ أُمُّهُ بَعْدَ إِلْقَائِهِ فَيَصِيرُ مَوْتُهُ بِانْقِلَابِ أُمِّهِ عَلَيْهِ فَتَجِبُ دِيَتُهُ عَلَيْهَا تَتَحَمَّلُهَا عَاقِلَتُهَا إِنْ لَمْ تَعْمِدْ ذَلِكَ، وَلَا تَرِثُهُ، لِأَنَّهَا صَارَتْ قَاتِلَةً، وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ عَصَرَتْهُ بِرَحِمِهَا عِنْدَ خُرُوجِهِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ لَمْ تَضْمَنْهُ وَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الضَّارِبِ، لِأَنَّ عَصْرَةَ الرَّحِمِ قَلَّ مَا يَخْلُو مِنْهَا مَوْلُودٌ وَوَالِدَةٌ.
وَلَوْ جرحه جارح بعد سقوط كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى جَارِحِهِ دُونَ ضَارِبِ أُمِّهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ كَالْجَارِحَيْنِ بِضَمَانِهِ مَعًا؟