الْإِيجَابِ حُكْمًا كَمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ فِيمَا تَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ تَغْلِيبًا لِلْإِسْقَاطِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالِانْفِصَال عَمَّا تَوَجَّهَ بِهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ظاهر إذا حقق والله أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ جَنَى عَلَى أَمَةٍ حَامِلٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى عُتِقَتْ أَوْ عَلَى ذِمِّيَّةٍ فَلَمْ تُلْقِ جَنِينَهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ فَفِيهِ غُرَّةٌ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا جَنِينُ الْأَمَةِ فَقَدْ يَكُونُ تَارَةً حُرًّا إِنْ كَانَ مِنْ سَيِّدِهَا وَمَمْلُوكًا إِنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ، سَوَاءٌ أَلْقَتْهُ وَهِيَ عَلَى رِقِّهَا أَوْ بَعْدَ عِتْقِهَا، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَفِيهِ عشر قيمة أمة، وخالفت فِيهِ أَبو حَنِيفَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَنَحْنُ نَسْتَوْفِي الْكَلَامَ فِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ بَعْدَ إِلْقَاءِ جَنِينِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ عِتْقُهَا فِيهِ وَوَجَبَ فِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا، وَإِنْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ ضَرْبِهَا وَقَبْلَ إِلْقَائِهِ عُتِقَ بِعِتْقِهَا تَبَعًا، لِأَنَّ حَمْلَ الْحُرَّةِ حُرٌّ، وَوَجَبَ فِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ أَوْ أَقَلَّ كَالْحُرِّ إِذَا أُعْتِقَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ فِيهِ دِيَةُ حُرٍّ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَلِلسَّيِّدِ مِنَ الْغُرَّةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْغُرَّةِ أَوْ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ كَمَا كَانَ لَهُ مِنْ دِيَةِ الْعَبْدِ إِذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْغُرَّةُ أَقَلَّهُمَا أَخَذَهَا السَّيِّدُ كُلَّهَا بِحَقِّ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ أَقَلَّ أُخِذَ مِنْ قِيمَةِ الْغُرَّةِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ وَكَانَ بَاقِيهَا لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ.
وَأَمَّا جَنِينُ الذِّمِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا فَالْجَنِينُ مُسْلِمًا فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَالْجَنِينُ ذِمِّيٌّ فِي الْحُكْمِ، وَفِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي جَنِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَتِ الذِّمِّيَّةُ أَوْ زَوْجُهَا بَعْدَ إِلْقَاءِ جَنِينِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ إِسْلَامُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْجَنِينِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَوَجَبَ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ الذِّمِّيِّ، وَكَانَ ذَلِكَ مَوْرُوثًا بَيْنَهُمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ فِي الْكُفْرِ قَبْلَ حُدُوثِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ ضَرْبِهَا وَقَبْلَ إِلْقَائِهِ أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا دُونَهَا صَارَ الْجَنِينُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ، فَيَجِبُ فِيهِ إِذَا أَلْقَتْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ غُرَّةٌ كَامِلَةٌ دِيَةُ جَنَيْنٍ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَا اسْتَقَرَّتْ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ إِسْلَامِهِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ لِاسْتِقْرَارِهَا فِيهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ مَوْرُوثَةً للمسلم من أبويه.
(مسألة)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَلَا أَعْرِفُ أَنْ يَدْفَعَ لِلْغُرَّةِ قِيمَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا تُوجَدُ فِيهِ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) هَذَا مَعْنَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَةِ أَنَّهَا الْإِبِلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى بِهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا فَكَذَلِكَ الْغُرَّةُ إِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا ".