وَهِمَ فِيهَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَالَّذِي رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثْبَتُ، وَنَاقِلُوهُ أَضْبُطُ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ " فَرَسٌ وَلَا بَغْلٌ "، وَلَوْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ لَجَازَ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ جُعِلَا بَدَلًا مِنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ.
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْغُرَّةِ فِيهِ فَتَكْمُلُ الْغُرَّةُ إِذَا كَانَ كَامِلًا بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّ الْغُرَّةَ أَكْمَلُ دِيَاتِ الْجَنِينِ فَوَجَبَتْ فِي أَكْمَلِهِمْ وَصْفًا، وَيَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ، وَتَكُونُ الْغُرَّةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِانْتِفَاءِ الْعَمْدِ عَنْهُ بِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا خَطَأً مَحْضًا، أَوْ عَمْدَ خَطَأٍ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْجَانِي، فلو ألقت من الضرب جنينين لزمته غُرْمَانِ وَكَفَّارَتَانِ، وَلَوْ أَلْقَتْ ثَلَاثَةَ أَجِنَّةٍ لَزِمَهُ ثَلَاثُ غُرَرٍ وَثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَلَوْ ضَرَبَهَا ثَلَاثَةً فألقت جنيناً واحداً لزمهم غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا يَخْتَصُّ بِالْغُرَّةِ فِيهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَأَمَّا إِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَجَبَ فِيهِ دِيَتُهُ، وَدِيَتُهُ إِنْ كَانَ ذَكَرًا فَمِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَيَسْتَوِي فِي سُقُوطِهِ مَيِّتًا حُكْمُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيَفْتَرِقُ فِي سُقُوطِهِ حَيًّا حُكْمُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَسُمِّي جَنِينًا لِأَنَّهُ قَدْ أَجَنَّهُ بَطْنُ أُمِّهِ أَيْ سَتَرَهُ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ أَجَنَّهُ اللَّيْلُ إِذَا سَتَرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أجنة في بطون أمهاتكم} [النجم: 32] .
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ جَنِينًا أَنْ يُفَارِقَ الْمُضْغَةَ وَالْعَلَقَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ أصْبَع أَوْ ظُفْر أَوْ عَيْن أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَدِّ الْجَنِينِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ: أَنَّ فِي أَقَلِّ الْحَبَلِ غُرَّةً.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة: أن فيه ما لم بين خَلْقُهُ حُكُومَةً، فَإِذَا بَانَ خَلْقُهُ فَفِيهِ غُرَّةٌ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ إِذَا لَمْ يَبِنْ خَلْقُهُ، فَإِذَا بَانَ خَلْقُهُ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ فَفِيهِ غُرَّةٌ فَصَارَ الْخِلَافُ فِيمَا لَمْ يَبِنْ خَلْقُهُ، فَعِنْدَ مَالِكٍ فِيهِ غُرَّةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا شَيْءَ فِيهِ.
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهِ: بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْوَلَدِ الْحَيِّ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ الْفَرْقُ فِي الْحَمْلِ بَيْنَ مَبَادِئِهِ وَكَمَالِهِ فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ فِي الْجَنِينِ دُونَ مَا فِي الْوَلَدِ الْحَيِّ وَلَمْ يَكُنْ