قال الشافعي رحمه الله تعالى: " إِذَا جَنَى رَجُلٌ جِنَايَةً بِمَكَّةَ وَعَاقِلَتُهُ بِالشَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَبَرٌ مَضَى يَلْزَمُ بِهِ خِلَافَ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكْتُبَ حَاكِمُ مَكَّةَ إِلَى حَاكِمِ الشَّامِ يَأْخُذُ عَاقِلَتَهُ بِالْعَقْلِ وَقَدْ قِيلَ يُحَمِّلَهُ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ بِبَلَدِهِ ثَمَّ أَقْرَبَ الْعَوَاقِلِ بِهِمْ وَلَا يُنْتَظَرُ بِالْعَقْلِ غَائِبٌ وَإِنَ احْتَمَلَ بَعْضُهُمُ الْعَقْلَ وَهُمْ حُضُورٌ فَقَدْ قِيلَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَزِمَ الْكُلَّ (قَالَ) وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسْتَوُوا فِيهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَاقِلَةُ الْجَانِي خَطَأً مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونُوا حَضَرُوا مَعَ الْجَانِي فِي بَلَدِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا غَائِبِينَ عَنِ الْجَانِي فِي غَيْرِ بَلَدِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ حَاضِرًا فِي بَلَدِ الْجَانِي وَبَعْضُهُمْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِهِ.
فَأَمَّا الْحَالُ الْأُولَى أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ حَاضِرِينَ فِي بَلَدِ الْجَانِي فَهُمْ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الدَّرَجِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَفَاضَلُوا فِي الدَّرَجِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ بُدِئَ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ نَسَبًا، فَيُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ عَلَى الْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ، فَإِنْ تَحَمَّلَهَا الْأَقْرَبُونَ خَرَجَ مِنْهَا الْأَبْعَدُونَ، وَإِنْ عَجَزُوا عَنْهَا شَرَكَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَبَاعِدِ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ حَتَّى يُسْتَوْفَى، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا بُعَدَاؤُهُمْ شَرَكَهُمْ مَوَالِيهِمْ، ثُمَّ عَصَبَاتُ مَوَالِيهِمْ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ، فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي الدَّرَجِ ولم يتفاضلوا لم يخلوا قَسْمُ الدِّيَةِ فِيهِمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِعَدَدِهِمْ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَنْقُصُ عَنْهُمْ فَتُفَضُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَا يُخَصُّ بِهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ مِنْ إِكْثَارٍ وَإِقْلَالٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَزِيدَ عَلَى عَدَدِهِمْ كَأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ نِصْفَهَا وَيَعْجَزُونَ عَنْ