قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاءِ حُكُومَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ فَهِيَ الَّتِي قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَهِيَ صُورَةُ الصَّحِيحَةِ فَذَهَبَ نَفْعُهَا وَبَقِيَ جَمَالُهَا، فَفِيهَا إِذَا قُلِعَتْ حُكُومَةٌ لِأَجْلِ الْأَلَمِ وَمَا أُذْهِبَ مِنْ جَمَالِهَا.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ وَحُكِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِمَا مِائَةَ دِينَارٍ، وَهَذَا فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْحُكُومَةِ إِنْ تَقَدَّرَتْ بِاجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَبِاجْتِهَادِ زَيْدٍ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّرَ بِاجْتِهَادِ مَنْ بَعْدَهُمَا مِنَ الْحُكَّامِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَبِأَقَلَّ مِنْهُ وَبِأَكْثَرَ، بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِ فِي الشَّيْنِ وَالْقُبْحِ وَالْأَلَمِ، لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْحُكُومَاتِ لَا يَجْعَلُهَا مَحْدُودَةً فِي جَمِيعِ الْجِنَايَاتِ، وَكَذَلِكَ الْيَدُ الشَّلَّاءُ الَّتِي لَا تَأْلَمُ، وَالرِّجْلُ الشَّلَّاءُ إِذَا قَطَعَهَا لَا دِيَةَ فِيهَا، لِذَهَابِ مَنْفَعَتِهَا، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْيَدِ الْبَطْشُ، وَمَنْفَعَةَ الرِّجْلِ الْمَشْيُ، وَقَدْ ذَهَبَ بَطْشُ الْيَدِ وَمَشْيُ الرِّجْلِ بِشَلَلِهِمَا وَبَقِيَ الْجَمَالُ فِيهِمَا، فَسَقَطَتِ الدِّيَةُ لِذَهَابِ الْمَنْفَعَةِ، وَوَجَبَتِ الحكومة لأجل الجمال.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلِسَانُ الْأَخْرَسِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَعْنِي أَنَّ فِيهِ حُكُومَةً إِذَا قُطِعَ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ الْكَلَامِ قَدْ سَلَبَهُ الْمَنْفَعَةَ فَصَارَ كَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ فَاقْتَضَى لِهَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ تَجِبَ فِي قَطْعِهِ حُكُومَةٌ كَمَا يَجِبُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي، لِأَنَّ مَقْصُودَ اللِّسَانِ أَفْعَالٌ:
أَحَدُهَا: الْكَلَامُ، وَالثَّانِي: الذَّوْقُ، وَيَقْتَرِنُ بِهِمَا ثَالِثٌ يَكُونُ اللِّسَانُ عَوْنًا فِيهِ وَهُوَ إِدَارَةُ الطَّعَامِ بِهِ فِي الْفَمِ [لِلْمَضْغِ، فَإِنْ كَانَ ذَوْقُ الْأَخْرَسِ بَعْدَ قَطْعِ لِسَانِهِ بَاقِيًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّهُ مَا سَلَبَهُ الْقَطْعُ أَحَدَ النَّفْعَيْنِ الْمَقْصُودِينَ، وَإِنَّمَا سَلَبَهُ أَقَلَّ مَنَافِعِهِ وَهُوَ إِدَارَةُ الطَّعَامِ بِهِ فِي فَمِهِ] وَإِنْ ذَهَبَ ذَوْقُ الْأَخْرَسِ بِقَطْعِ لِسَانِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ كَالشَّمِّ بَلْ هُوَ أَنْفَعُ فَيَكُونُ الْإِطْلَاقُ مَحْمُولًا عَلَى هذا التفصيل والله أعلم.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَذَكَرُ الْأَشَلِّ فَيَكُونُ مُنْبَسِطًا لَا يَنْقَبِضُ أَوْ مُنْقَبِضًا لَا يَنْبَسِطُ "