وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا تَتَقَدَّرُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَدُونَ الْجَائِفَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا يَتَقَدَّرُ فِيهِ الدِّيَةُ وَهُوَ الْمُوضِحَةُ، يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ فِي الْبَدَنِ كَالرَّأْسِ، وَلَا تَتَقَدَّرُ فِيهَا الدِّيَةُ، وَإِنْ تَقَدَّرَتْ فِي الرَّأْسِ وَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةٌ.
وَالْفَرْقُ فِيهَا بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الرَّأْسَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَوَاسِّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ أَخْوَفُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ شَيْنَهَا فِيهِ أَقْبَحُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا تَتَقَدَّرُ فِيهِ الدِّيَةُ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَهُوَ الْجَائِفَةُ، وَالْجَائِفَةُ وُصُولُ الْجُرْحِ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ ثَغْرَةِ نَحْرٍ تَخْرِقُ بِهِ غِطَاءَ الْجَوْفِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَدِيدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَدَّدِ، وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ، لِرِوَايَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[قال: " في الجائفة ثلث الدية وَفِيَّ الْمَأمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ".
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ " وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ " وَلِأَنَّهَا وَاصِلَةٌ إِلَى غَايَةٍ مَخُوفَةٍ فَأَشْبَهَتِ الْمَأْمُومَةَ، وَلَا قِصَاصَ فِيهَا، لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ بِنُفُوذِ الْحَدِيدِ إِلَى مَا لَا يُرَى انْتِهَاؤُهُ، فَإِنْ أَجَافَهُ حَتَّى لَذَعَ الْحَدِيدُ كَبِدَهُ أَوْ طِحَالَهُ لَزِمَتْ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي الْجَائِفَةِ وَحُكُومَةٌ فِي لَذْعِ الْحَدِيدِ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ.
وَلَوْ أَجَافَهُ فَكَسَرَ أَحَدَ أَضْلَاعِهِ لَزِمَهُ دِيَةُ الْجَائِفَةِ، وَتَكُونُ حُكُومَةُ الضِّلَعِ مُعْتَبَرَةً بِنُفُوذِ الْجَائِفَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ مِنْ غَيْرِ ضِلَعٍ لَزِمَهُ حُكُومَةُ الضِّلَعِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إِلَّا بِكَسْرِ الضِّلَعِ دَخَلَتْ حُكُومَتُهُ فِي دِيَةِ الْجَائِفَةِ، وَإِذَا أَشْرَطَ بَطْنَهُ بِسِكِّينٍ ثُمَّ أَجَافَهُ فِي آخِرِ الشَّرْطَةِ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَائِفَةِ دِيَتُهَا وَفِي الشَّرْطَةِ حُكُومَتُهَا، لِأَنَّ الشَّرْطَةَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْهَا فَتَمَيَّزَتْ بِحُكْمِهَا كَمَا قُلْنَا إِذَا أَوْضَحَ مُؤَخِّرَ رَأْسِهِ وَأَعْلَى قَفَاهُ، وَلَوْ جَرَحَهُ بِخِنْجَرٍ لَهُ طَرَفَانِ فَأَجَافَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ كَانَتْ جَائِفَتَيْنِ وَعَلَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَإِنْ خَرَقَهُ الْجَانِي أَوْ تَآكَلَ صَارَتْ جَائِفَةً وَاحِدَةً، وَلَوْ خَرَقَهُ أَجْنَبِيٌّ كَانَتْ ثَلَاثَ جَوَائِفَ، وَلَوْ خَرَقَهُ الْمَجْرُوحُ كَانَتْ جَائِفَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُوضِحَتَيْنِ.
وَإِذَا أَدْخَلَ فِي حَلْقِهِ خَشَبَةً أَوْ حَدِيدَةً حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى الْجَوْفِ أَوْ أَدْخَلَهَا