وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بِمِثْلِ ذَلِكَ إِلَّا فِي ابْنِ اللَّبُونِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَكَانَهُ عِشْرِينَ ابْنَ مَخَاضٍ.
وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَضَافُوهُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ عَنْ زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطَّائِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ عِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ".
وَلِأَنَّ بِنْتَ اللَّبُونِ سِنٌّ يَجِبُ دُونَهَا فِي الدِّيَاتِ سِنٌّ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ ذَكَرٌ مِنْ هَذَا السِّنِّ كَالْجِذَاعِ وَالْحِقَاقِ، وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ دِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى التَّخْفِيفِ لِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ لَهَا فَكَانَ إِيجَابُ بَنِي الْمَخَاضِ أَقْرَبَ إِلَى التَّخْفِيفِ مِنْ بَنِي اللَّبُونِ.
وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسٌ عِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكر، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أرطأة عن زيد بن جبير عن خشف ابن مَالِكٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قضى في دية الخطأ أخماساً: خمساً جذاع، وخمساً حقاق، وَخُمْسًا بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخُمْسًا بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَخَمْسًا بني لبون ذكر.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَشْبَهُ بِمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَلْقَمَةُ وَهُوَ لَا يُفْتِي بِخِلَافِ مَا يَرْوِي ثُمَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: دِيَةُ الْخَطَأِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَسُلَيْمَانُ تَابِعِيٌّ وَإِشَارَتُهُ إِلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّحَابَةِ فَصَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا نَقَلَهُ عَنْهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ كَالثَّنَايَا وَالْفِصَالِ، وَلِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّ مِنَ الْإِبِلِ مُوَاسَاةً لَمْ يَجِبْ فِيهِ بَنُو الْمَخَاضِ كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ بَنَاتِ الْمَخَاضِ أَحَدُ طَرَفَيِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجِبْ ذُكُورُهَا فِي الدِّيَةِ كَالْجِذَاعِ فِي الطَّرَفِ الْأَعْلَى.