جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ " وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَغْلِيظُ الدِّيَةِ ضِدَّ تَخْفِيفِهَا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ أَدْنَى مَا فِي الْمُغَلَّظَةِ مِنَ الْأَسْنَانِ هُوَ أَعْلَى أَسْنَانِ الْمُخَفَّفَةِ لِأَجْلِ الْعِلَّتَيْنِ، فَوَجَبَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ فِيهَا الْجِذَاعَ وَالْحِقَاقَ دُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَبَنَاتِ مَخَاضٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْخَطَأِ، وَيَمْنَعُ قِيَاسَهُمْ عَلَى الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ فِي الدِّيَةِ الثَّنَايَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِي الزَّكَاةِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْجَهْلِ بِالْحَمْلِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ لَهُ أَحْكَامٌ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْهَا مَا يَثْبُتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ الدِّيَةِ كَمَا ثَبَتَ فِيهَا الْجِذَاعُ وَالثَّنَايَا كَالْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ نَعْتٍ وَلَا صِفَةٍ.
فَإِذَا ثَبَتَ تَغْلِيظُهَا فِي الْإِبِلِ بِمَا وَصَفْنَا فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْحَوَامِلِ السِّنُّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا السِّنُّ، وَأَيُّ نَاقَةٍ حَمَلَتْ مِنْ ثَنِيَّةٍ أَوْ مَا دُونَهَا لَزِمَ أَخْذُهَا فِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا ".
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا السِّنُّ أَنَّ تَكُونَ ثَنِيَّةً فَمَا فَوْقَهَا، وَلَا يُقْبَلُ مَا دُونَ هَذَا السِّنِّ مِنَ الْحَوَامِلِ، لِرِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى بَازِلِ عَامِهَا ".
فَأَمَّا تَغْلِيظُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَيَكُونُ زِيَادَةَ ثُلُثِهَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ صِفَةُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَهِيَ تَتَغَلَّظُ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ إِذَا سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ وَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً، وَتَتَغَلَّظُ فِي عَمْدِ الْخَطَأِ وَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةً، وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ فِيهِ الْقَوَدَ وَجَعَلَهَا ابْنُ شُبْرُمَةَ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ أَوْ رَمْيًا بِحَجَرٍ أَوْ ضَرْبًا بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَأِ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَاتِلِهِ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَاتِلِهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرف ولا عدل ".