قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ الْجَانِي مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَقَالَ الْوَلِيُّ مَاتَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عليه فلا يخلو موته من خمسة أحوال:
أحدها: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَيَكُونُ الْجَانِي قَاطِعًا وَلَيْسَ بِقَاتِلٍ فَيَلْزَمُهُ إِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ دِيَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي الْيَدَيْنِ، وَالْأُخْرَى فِي الرِّجْلَيْنِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ انْدِمَالِهِمَا فَيَصِيرُ الْجَانِي قَاتِلًا يُقْتَصُّ مِنْ نَفْسِهِ بَعْدَ الِاقْتِصَاصِ مِنَ اليَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ دِيَاتِ الْأَطْرَافِ تَدْخُلُ فِي دِيَاتِ النَّفْسِ إِذَا سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَيْهَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ انْدِمَالِ أَحَدِهِمَا وَبَقَاءِ الْأُخْرَى، كَمَوْتِهِ بَعْدَ انْدِمَالِ يَدَيْهِ وَبَقَاءِ رِجْلَيْهِ، فَيَصِيرُ الْجَانِي قَاتِلًا بِسِرَايَةِ الرِّجْلَيْنِ قَاطِعًا بِانْدِمَالِ الْيَدَيْنِ وَتَلْزَمُهُ دِيَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي النَّفْسِ لِسِرَايَةِ الرِّجْلَيْنِ إِلَيْهِمَا وَالْأُخْرَى فِي الْيَدَيْنِ لِاسْتِقْرَارِ دِيَتِهَا بِانْدِمَالِهِمَا، لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ مَا لَمْ تَنْدَمِلْ، وَلَا تَدْخُلُ فِيهَا إِذَا انْدَمَلَتْ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فَيَدَّعِي الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِهِمَا فَاسْتَحَقَّ عَلَى الْجَانِي دِيَتَيْنِ، وَادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ انْدِمَالِهِمَا لِيَلْتَزِمَ دِيَةً وَاحِدَةً، فَالْوَاجِبُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنْ يُعْتَبَرَ الزَّمَانُ الَّذِي بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْمَوْتِ، فَإِنِ اتَّسَعَ لِلِانْدِمَالِ كَالشَّهْرِ فَمَا زَادَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ بِاللَّهِ لَقَدْ مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِ الْجِنَايَةِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ بِابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ دِيَتَيْنِ، وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الانْدِمَالِ مُحْتَمَلٌ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى الْجَانِي فِي إِسْقَاطِ أَحَدِهِمَا إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَقْطُوعَ لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ مِنَ الجِنَايَةِ فَيُحْكَمُ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ضَاقَ الزَّمَانُ عَنِ الِانْدِمَالِ كَمَوْتِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي، لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَيَحْلِفُ الْجَانِي وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مَعَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَمُوتَ الْمَقْطُوعُ مَخْنُوقًا أَوْ مَسْمُومًا، فَإِنِ ادَّعَى الْوَلِيُّ مَعَ ضِيقِ الزمان عن الاندمال أن المقطوع مات موجا بِذَبْحٍ أَوْ سُمٍّ أَوْ خَنْقٍ صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَاهِرٌ يُوجِبُ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَحَقَّ فِي الظَّاهِرِ بِابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ دِيَتَيْنِ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ حُدُوثِ التَّوْجِيَةِ مُحْتَمَلٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ مِنَ الجِنَايَةِ وَمَا ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ مِنْ حُدُوثِ التَّوْجِيَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي اتِّسَاعِ