مَا قَدَّمْنَاهُ مِنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا، فَيَكُونُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهَكَذَا لَوْ أَنَّ الْمَجْرُوحَ خَاطَ جُرْحَهُ فَمَاتَ فَإِنْ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَالْجَارِحُ هُوَ الْقَاتِلُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ أَوْ جَمِيعِ الدِّيَةِ، وَإِنْ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ كَانَ الْجَارِحُ أَحَدَ الْقَاتِلَيْنِ وَكَانَ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ اختلاف أصحابنا في القولين.
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو كان في يد المقطوع أُصْبُعانِ شَلَّاوَانِ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ الْجَانِي وَلَوْ رَضِيَ فَإِنْ سَأَلَ الْمَقْطُوعُ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ أصْبع الْقَاطِعِ الثَّالِثِ وَيُؤْخَذَ لَهُ أَرْشُ الِإصْبَعَيْنِ وَالْحُكُومَةِ فِي الْكَفِّ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا أَبْلُغُ بِحُكُومَةِ كَفِّهِ دِيَةَ أصْبع لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْأَصَابِعِ وَكُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَلَا يَكُونُ أَرْشُهَا كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السَّلِيمَةَ لَا تُقَادُ بِالشَّلَّاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُقَادَ الشَّلَّاءُ بِالسَّلِيمَةِ، فَإِذَا قَطَعَ كَفًّا فِيهَا أصْبعانِ شَلَّاوَانِ فَلَا تَخْلُو كَفُّ الْقَاطِعِ مِنْ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً أَوْ فيهَا شَلَلٌ فَإِنْ كَانَتْ سَلِيمَةً فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي كَفِّهِ وَإِنْ بَذَلَهَا، لِأَنَّ سَلَامَةَ مَا قَابَلَ الْأَشَلَّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْقِصَاصِ عَنْهُ، وَمَنْ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سُقُوطُ الْقَوَدِ عَنِ الْأَبِ بِالِابْنِ وَعَنِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ يَمْنَعُ مِنَ القَوَدِ مَعَ رِضَا الْأَبِ وَالْحُرِّ كَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ مَعَ رِضَا السَّلِيمِ بِالْأَشَلِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ في السليم عن الجاني قد أجب الْمَالَ أَرْشًا فِي الْأَشَلِّ مِنَ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَوْ بَذَلَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَائِهِ لَمْ يَجُزْ، كَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ مِنَ السَّلِيمِ الْمُقَابِلِ لِلْأَشَلِّ لَمْ يَسْقُطْ مِنَ السَّلِيمِ الْمُقَابِلِ لِلسَّلِيمِ فَيُقَالُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ، فَإِنْ طَلَبَ الدِّيَةَ وَعَفَا عَنِ الْقِصَاصِ أُعْطِيَ دِيَةَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ ثَلَاثِينَ بَعِيرًا يَدْخُلُ فِيهَا حُكُومَةُ مَا تَحْتَهَا مِنَ الكَفِّ، وَأُعْطِيَ حُكُومَة أُصْبُعيْنِ شَلَّاوَيْنِ لا يبلغ بهادية أُصْبُعيْنِ سَلِيمَتَيْنِ، وَيُدْخِلُ فِي حُكُومَتِهِمَا حُكُومَةُ مَا تَحْتَهُمَا مِنَ الكَفِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ اقْتَصَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ كَفِّ الْجَانِي الْمُمَاثِلَةِ لِلسَّلِيمَةِ مِنْ كَفِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ حُكُومَةً فِي الْأصْبعيْنِ الشَّلَّاوَيْنِ يُدْخِلُ فِيهِمَا حُكُومَةَ مَا تَحْتَهُمَا مِنَ الكَفِّ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْقِصَاصِ فِي الْأَصَابِعِ الثَّلَاثِ حُكُومَةُ مَا تَحْتَهُمَا مِنَ الكَفِّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا مِنْ قَبْلُ:
أَحَدُهُمَا: تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا فِي الْقِصَاصِ كَمَا تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا فِي الدِّيَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ لَا تَدْخُلُ حُكُومَتُهَا فِي الْقِصَاصِ، لِبَقَائِهَا