مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الشَّلَّاءِ مِنْ حَيٍّ كَقَطْعِهَا مِنْ مَيِّتٍ، لِأَنَّهَا فِي الْحَالَيْنِ مَيِّتَةٌ، وَقَطْعُهَا مِنَ المَيِّتِ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَكَذَلِكَ قَطْعُهَا مِنَ الحَيِّ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَطْعُهَا مِنَ المَيِّتِ لَا يُضْمَنُ بِالْأَرْشِ، وَقَطْعُهَا مِنَ الحَيِّ مَضْمُونٌ بِالْأَرْشِ فَجَازَ أَنْ تُضْمَنَ بِالْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ تُضْمَنْ بِهِ يَدُ الْمَيِّتِ؟
قِيلَ: لِأَنَّ الْيَدَ تَبَعٌ لِلْجَسَدِ وَجَسَدُ الْمَيِّتِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَمْ تُضْمَنْ يَدُهُ، وَجَسَدُ الْأَشَلِّ مَضْمُونٌ فَضُمِنَتْ يَدُهُ وَخِلَافُ نَفْسِ الضَّعْفِ وَالْمَرَضِ لِوُجُودِ الْحَيَاةِ مَعَهُمَا وَحُصُولِ النَّفْعِ بِهِمَا، فَأَمَّا الْأُذُنُ الْمُسْتَحْشِفَةُ فَفِي الِاقْتِصَاصِ بِهَا مِنَ السَّلِيمَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا قِصَاصَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُقْتَصُّ بِهَا مِنَ السَّلِيمَةِ بِخِلَافِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَنْفَعَةَ الْأُذُنِ هُوَ حُصُولُ الْجَمَالِ بِهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحْشِفَةِ كَوُجُودِهِ فِي السَّلِيمَةِ، وَمَنْفَعَةُ الْيَدِ قَبْضُهَا وَبَسْطُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الشَّلَّاءِ مَوْجُودٌ فِي السَّلِيمَةِ فَافْتَرَقَا.
فَأَمَّا إِذَا قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدًا شَلَّاءَ فَفِي الْقِصَاصِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أنه لا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، وَاعَتَلَّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَبْدَانِ تَتَفَاوَتُ وَلَا يُعْرَفُ مُنْتَهَاهَا، فَصَارَ الشَّلَلَانِ مُخْتَلِفَيْنِ غَيْرَ مُتَمَاثِلَيْنِ فَسَقَطَ الْقِصَاصُ فِيهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّ تَفَاوُتَ الشَّلَلِ يَكُونُ فِي نِهَايَتِهِ وَيَكُونُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ سِرَايَةً مِنْهُ فِي الْآخَرِ، وَلَسْنَا نَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ إِلَّا مِنْ حَدِّ الْقَطْعِ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي نَقْصِهِ فَيَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي الشَّلَلِ كَمَا يَجْرِي مَعَ السَّلَامَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّلَّاءُ مِنَ المَقْطُوعِ يُمْنَاهُ وَمِنَ الْقَاطِعِ يُسْرَاهُ فَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ يُمْنَى بِيُسْرَى، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّلَلُ حَادِثًا مَعَ الْوِلَادَةِ أَوْ طَارِئًا بَعْدَهَا.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَأكلَتْ فَذَهَبَتْ كَفُّهُ أُقِيدَ مِنَ الأُصْبُعِ وَأُخِذَ أَرْشُ يَدِهِ إِلَّا أُصْبُعًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ قَطَعَ أصْبع رَجُلٍ فَسَرَى الْقَطْعُ إِلَى أَنْ تَآكَلَتْ كَفُّهُ ثُمَّ انْدَمَلَتْ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ فِي الْأصْبع دُونَ الْكَفِّ، فَأَوْجَبَهُ فِي الْجِنَايَةِ دُونَ السِّرَايَةِ.