قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَالْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ شَيْئَانِ جُرْحٌ يُشَقُّ وَطَرَفٌ يُقْطَعُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَهُوَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَاجِبٌ كَوُجُوبِهِ فِي النَّفْسِ، لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 194] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] فَجَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عُمُومَ الْقِصَاصِ فِيمَا اسْتُحِقَّ مِنَ الوُجُوهِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ، وَالْقِصَاصُ في الجروح، ولا قصاص فيما عداهما، وَهِيَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أَوْجَبَ الْأَرْشَ دُونَ الْقِصَاصِ إِمَّا بِمُقَدَّرٍ كَالْجَائِفَةِ أَوْ بِغَيْرِ مُقَدَّرٍ كَالْحَارِضَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يُوجِبُ أَرْشًا وَلَا قِصَاصًا كَالضَّرْبِ الَّذِي لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْجَسَدِ فَصَارَتِ الْجِنَايَاتُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، يَجِبُ الْقِصَاصُ مِنْهَا فِي ثَلَاثَةٍ، وَالْأَرْشُ فِي أَرْبَعٍ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ فِي الْخَامِسِ، وَفِيهِ يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ أَدَبًا.
فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَالْمُكَافَأَةُ فِي الْقِصَاصِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي الْأَحْكَامِ.
وَالثَّانِي: فِي الْأَوْصَافِ.
فَأَمَّا الْمُكَافَأَةُ فِي الْأَحْكَامِ فَهُوَ اعْتِبَارُ التَّكَافُؤِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، فَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ مِنَ الأَقْسَامِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ، فَإِذَا مَنَعَ الرِّقُّ وَالْكُفْرُ مِنَ القِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَنَعَ مِنْهُ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ، فَلَا يُؤْخَذُ طَرَفُ حُرٍّ وَلَا مُسْلِمٍ بِطَرَفِ عَبْدٍ وَلَا كَافِرٍ وَكَذَلِكَ فِي الْجِرَاحِ. وَأَمَّا الْمُكَافَأَةُ فِي الْأَوْصَافِ فَتَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: