فَقَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَعْلَمُ لَكِ شَيْئًا، إِنَّمَا الدِّيَةُ لِلْعَصَبَةِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، فَقَامَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ فَقَالَ: كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرُنِي أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ عَقْلِ زَوْجِهَا أَشْيَمَ فَوَرَّثَهَا عُمَرُ وَرَوَى عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَعَقْلِهِ وَيَرِثُ هُوَ مِنْ مَالِهَا وَعَقْلِهَا ".
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَّثَ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَوَرَّثَ زَوْجًا من دية امرأته.
فَأَمَّا الْقَوَدُ فَهُوَ عِنْدَنَا مَوْرُوثٌ مِيرَاثَ الْأَمْوَالِ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَرِثُهُ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ دُونَ النِّسَاءِ وَدُونَ الْأَسْبَابِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرِثُهُ ذَوُوا الْأَنْسَابِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ دُونَ ذَوِي الْأَسْبَابِ.
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [الإسراء: 33] وَالْوَلِيُّ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ مِنَ العَصَبَاتِ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا حَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْقَوَدَ مَوْضُوعٌ لِدَفْعِ الْعَارِ فَأَشْبَهَ وِلَايَةَ النِّكَاحِ فِي اخْتِصَاصِهَا بِرِجَالِ الْعَصَبَاتِ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ لَوْ وَرِثْنَ الْقَوَدَ لَتَحَمَّلْنَ الْعَقْلَ كَالْعَصَبَاتِ، وَهُنَّ لَا يَتَحَمَّلْنَ الْعَقْلَ فَوَجَبَ أَنْ يسقط ميراثهم مِنَ القَوَدِ كَالْأَجَانِبِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَهُ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ ".