(الْقَوْلُ فِي جِنْسِ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ)
وَأَمَّا جِنْسُ قُوتِهِ، فَالْمُعْتَبَرُ بِعُرْفِ بَلَدِهِ فِيمَا يَقْتَاتَهُ غَالِبُ مُتَوَسِّطِهِمْ، فَإِنِ اقْتَاتُوا الْحِنْطَةَ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَإِنِ اقْتَاتُوا غَيْرَهَا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ أَقِطٍ أَوْ تَمْرٍ كَانَ حَقُّهُ مِنْهَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِالسَّيِّدِ إِذَا تَنَعَّمَ فَأَكَلَ السَّمِيدَ وَالْمُحَوَّرَ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ فِي الْأَغْلَبِ بَيْنَ السَّادَةِ وَالْعَبِيدِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ "، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ بِالْمَأْلُوفِ وَكَذَلِكَ حَالَةُ الْعَبْدِ فِي إِدَامِهِ يُؤْدِمُ بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُتَوَسِّطِينَ فِي بَلَدِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ سَمَكٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ لَبَنٍ، وَلَا اعْتِبَارَ بِإِدَامِ السَّيِّدِ إِذَا تلذذ بأكل الدجاج والخرفان، وكذلك لوقتر عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُتَحَكِّمٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مُلْتَزِمٌ، وَعَلَى السَّيِّدِ فِي طَعَامِ عَبْدِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ مَخْبُوزًا، وَفِي إِدَامِهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ مَصْنُوعًا. بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّهُ حَبًّا لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّيِّدِ إِذَا تَوَلَّى عَبْدُهُ صُنْعَ طَعَامِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ شَهْوَتَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انه قال: " إذا كفى خادم أحدكم طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ، وَالتَّرْوِيغُ أَنْ يُرَوِّيَهَا مِنَ الدَّسَمِ فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبِرْهُ.
(الْقَوْلُ في كسوة المملوك)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ معروف صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَانَ لَا يُسَمَّى مِثْلُهُ ضَيِّقًا بِمَوْضَعِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كِسْوَةُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرَةٌ بِمِثْلِ مَا اعْتُبِرَ بِهِ قُوتُهُ مِنْ غَالِبِ كِسْوَاتِ الْعَبِيدِ فِي الْبَلَدِ، وَالْإِمَاءِ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَيَمْلِكُ الْعَبْدُ لِبَاسَ كِسْوَتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ أَثْمَانَهَا وَإِذَا خَلَقَتِ اسْتَجَدَّ لَهُ السَّيِّدُ غَيْرَهَا، وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ إِذَا كَانَ يَلْبَسُ مُرْتَفِعَ الثِّيَابِ وَنَاعِمَهَا مِنَ الْوَشْيِ وَالْحَرِيرِ أَنْ يُسَاوِيَ فِيهَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ عَبْدِهِ، وَيَلْزَمُهُ إِذَا كَانَ يَلْبَسُ أَدْنَى الثِّيَابِ كَالْبَوَادِي وَأَهْلِ الْقُرَى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَعَبْدِهِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: إخوانكم حولكم تَحْتَ أَيْدِيكُمْ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَذَلِكَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي مَأْكَلِهِمْ وَمَلْبَسِهِمْ بِمُسَاوَاةِ عَبِيدِهِمْ دُونَ الْمُتَمَيِّزِينَ عَنْهُمْ، وَالسَّادَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: