بِالْإِعْسَارِ كَانَ مُقَدَّرًا كَالْكَفَّارَاتِ. وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهَا بِالْكِفَايَةِ مُفْضٍ إِلَى التَّنَازُعِ فِي قَدْرِهَا. فَكَانَ تَقْدِيرُهَا بِالشَّرْعِ حَسْمًا لِلتَّنَازُعِ فِيهِ أَوْلَى كَدِيَةِ الْجَنِينِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ هِنْدٍ. فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ أَنْ لَا تَأْخُذَ فِي الْإِعْسَارِ مَا تَأْخُذُهُ فِي الْيَسَارِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُعْتَبَرِ بِالْكِفَايَةِ كَالْمُجَاهِدِينَ. فَهُوَ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ فِي مُقَابَلَةِ بَدَلٍ مُسْتَحَقٍّ بِعَقْدٍ فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْعِوَضِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ عَنِ الْتِمَاسِ الْكِفَايَةِ فَجَازَ أَنْ لَا يُسْتَحَقَّ بِهَا قَدْرُ الْكِفَايَةِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ غير مقدرة، ونفقة الزوجة مستحق عَنْ بَدَلٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرَةً كَالْأُجُورِ وَالْأَثْمَانِ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّفَقَةُ نَفَقَتَانِ، نَفَقَةُ الْمُوسِرِ، وَنَفَقَةُ الْمُعْسِرِ، ثُمَّ قَدَّرَهَا ثَلَاثَ نَفَقَاتٍ. مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَمُتَوَسِّطٌ فَنَقَضَ بَعْضُ كَلَامِهِ بَعْضًا.
قِيلَ: أَرَادَ الْمُعْتَبَرُ بِالشَّرْحِ نَفَقَتَانِ يَسَارٌ وَإِعْسَارٌ، وَالثَّالِثَةُ مُعْتَبِرَةٌ بِالِاجْتِهَادِ لِتَوَسُّطِهَا بين اليسار والإعسار.
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُقْتِرَ لِامْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ بِبَلَدِهَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا مَخْدُومَةً عَالَهَا وَخَادِمًا وَاحِدًا بِمَا لَا يَقُومُ بَدَنٌ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامِ الْبَلَدِ الْأَغْلَبِ فِيهَا مِنْ قُوتِ مِثْلِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: فِي مِقْدَارِ النَّفَقَةِ.
وَالثَّانِي: فِي جِنْسِهَا.
والثالث: في صفتها.