وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأُمِّ وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَتَسْقُطُ عَنْ أُمِّهِ لِرِقِّهَا وَعَنْ أَبِيهِ لِكِتَابَتِهِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مِنْ مُكَاتَبَةٍ: فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ تَبَعًا لِلْأَبِ، وَهَلْ يَكُونُ تَبَعًا لِأُمِّهِ أَوْ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مِلْكًا لِسَيِّدِهَا وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهَا دُونَهَا وَدُونَ الْأَبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا كَمَا قُلْنَا فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ أَمَتِهِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى أُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ دُونَ الْأَبِ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ نُظِرَ فِي الْأَبَوَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُكَاتَبَيْنِ لِسَيِّدَيْنِ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ أن ينفق عليه، لأن سيد الأب لاحق لَهُ فِي وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ كَانَا لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ كَاتَبَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي عَقْدَيْنِ جَازَ لِلْأَبِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ. وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لِسَيِّدِهِ حَقًّا فِي ولده.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهِ مِنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ فَهُوَ حُرٌّ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ الْحُرِّ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ مِنْ أَبَوَيْهِ دُونَ الْمَمْلُوكِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِ الْأُمِّ، وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ دُونَ أَبِيهِ، فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ الْعَبْدُ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِمْتَاعَ مَلَكَ عَلَيْهِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنَ النَّفَقَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْوَلَدِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِذَلِكَ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ لِخُرُوجِهِ مَنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.