وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ يُحَرِّمُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَجَعَلَ زَمَانَهُ مُحَدَّدًا بِثَلَاثِينَ شَهْرًا
وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: مَا قَالَهُ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ مُحَدَّدَةٍ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ قول الله تعالى {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23] ويقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ " وَلِأَنَّهَا مَنْ يُعْتَدُّ فِيهَا بِالرَّضَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا التَّحْرِيمُ كَالْحَوْلَيْنِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَمَا حُدَّ فِي الشَّرْعِ إِلَى غَايَةٍ كَانَ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِهَا كَالْأَقْرَاءِ، وَهَذِهِ دَلَالَةُ الشَّافِعِيِّ.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ " وَالْفِصَالُ فِي الْحَوْلَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْفِصَالُ، وَلِأَنَّهُ حَوْلٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الرَّضَاعِ فِي آخِرِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ فِي أَوَّلِهِ كَالْحَوْلِ الرَّابِعِ طَرْدًا، وَالثَّانِي عَكْسًا، وَلِأَنَّ الْحَدَّ إِذَا عُلِّقَ بِالْحَوْلِ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ الْكَمَالَ قُطِعَ عَلَى التَّمَامِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ.
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَوْلَيْنِ فَفَاسِدٌ بِالشَّهْرِ السَّابِعِ يُتَغَذَّى فِيهِ بِاللَّبَنِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْحَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ فِي آخِرِهِ وَقَعَ بِالرَّضَاعِ فِي أَوَّلِهِ وَخَالَفَ الثَّالِثَ.
فَإِذَا ثَبَتَ تَحْدِيدُ تَحْرِيمِهِ بِالْحَوْلَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَغْنِيَ فِيهَا بِالطَّعَامِ عَنِ الرَّضَاعِ أَمْ لَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنَّمَا يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعٍ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَغْنٍ بِالطَّعَامِ عَنْهُ.
وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الرَّضَاعِ بِالْحَوْلَيْنِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِالزَّمَانِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ تعلقه بالحولين نص، واستغناؤه بِالطَّعَامِ اجْتِهَادٌ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالنَّصِّ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالْحَوْلَيْنِ عِلْمٌ وَاعْتِبَارَهُ بِالِاسْتِغْنَاءِ خَاصٌّ وَاعْتِبَارُ مَا عَمَّ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ مَا خَصَّ.
(فَصْلٌ)
قَالَ الْمُزَنِيُّ: " وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عِنْدِي عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِتَأْقِيتِ حَمْلِهِ وَفِصَالِهِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا كَمَا نُفِيَ تَوْقِيتُ الْحَوْلَيْنِ لِلرِّضَاعِ لِأَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ ".
وَالَّذِي أَرَادَهُ الْمُزَنِيُّ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ أَكْثَرِ الحمل أنه