الحاوي الكبير (صفحة 5410)

الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثَبَتَ لُحُوقُهُ بِالْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي اخْتِصَاصِهِ بِذِي الرَّحِمِ وَالْمُحَرَّمِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ ادِّعَائِهِمُ الْإِجْمَاعَ فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ عَلِيٌّ وَابْنُ عباس رضي الله تعالى عنهما وَمَعَ خِلَافِهِمَا يَبْطُلُ الْإِجْمَاعُ مَعَ كَوْنِ الْقِيَاسِ مَعَهُمَا بِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفَحْلَ لَوْ أُرْضِعَ بِلَبَنِهِ لَمْ يَحْرُمْ، فَهُوَ أَنَّهُ لَبَنٌ لَمْ يُخْلَقْ مِنْهُ الْمَوْلُودُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ، وَجَرَى مَجْرَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَلْبَانِ وَالْأَغْذِيَةِ، وَخَالَفَ فِيهِ لَبَنَ الْمَرْأَةِ الْمَخْلُوقَ لِغِذَاءِ الْمَوْلُودِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لَهُمَا لَكَانَتْ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أُجْرَةِ الرَّضَاعِ إِلَى مَاذَا يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِلَى الْحَضَانَةِ وَالرَّضَاعُ تَبَعٌ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِلَى اللَّبَنِ وَالْحَضَانَةُ تَبَعٌ، فَعَلَى هَذَا الْأُجْرَةُ مَأْخُوذَةٌ عَلَى فِعْلِ الرَّضَاعِ، لِأَنَّهُ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ، وَلَيْسَتْ مَأْخُوذَةً ثَمَنًا لِلَّبَنِ لِلْجَهَالَةِ بِهِ وَفَقْدِ رُؤْيَتِهِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ جَعَلَهَا ثَمَنًا لِلَّبَنِ، وَجَعَلَهَا أَحَقَّ بِهِ، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي سَبَبِهِ، لِأَنَّهَا مُبَاشِرَةٌ كَرَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي حَفْرِ بِئْرٍ فَاسْتَقَى أَحَدُهُمَا مِنْ مَائِهَا كَانَ أَحَقَّ بِمَا اسْتَقَاهُ لِمُبَاشَرَتِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ أَحْكَامِ النَّسَبِ لِضَعْفِهِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِبَعْضِ جِهَاتِهِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا شَارَكَ النَّسَبَ فِي التَّحْرِيمِ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَيَغْلُبُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَمَّا كَانَ الْمُرْتَضَعُ مُوَافِقًا لِلْمَوْلُودِ فِي الرَّضَاعِ وَمُفَارِقًا لَهُ فِي الْوِلَادَةِ اقْتَضَى أَنْ يُسْلَبَ بِفَقْدِ النَّسَبِ الْوَاحِدِ مَا تَعَلَّقَ لسبب واحد والله أعلم.

(مسألة)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالرَّضَاعُ اسْمٌ جَامِعٌ يَقَعُ عَلَى الْمَصَّةِ وَأَكْثَرَ إِلَى كَمَالِ الْحَوْلَيْنِ وَعَلَى كُلِّ رِضَاعٍ بَعْدَ الحولين فوجب طلب الدلالة في ذلك وقالت عائشة رضي الله عنها كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ " عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهن مما يقرأ من القرآن فكان لا يدخل عليها إلا من استكمل خمس رضعات وعن ابن الزبير قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الرَّضْعَةُ ولا الرضعتان " (قال المزني) رحمه الله قلت للشافعي أفسمع ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال نعم وحفظ عنه وكان يوم سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابن تسع سنين وعن عروة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالماً خمس رضعات فتحرم بهن (قال) فدل ما وصفت أن الذي يحرم من الرضاع خمس رضعات كما جاء القرآن بقطع السارق فدل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه أراد بعض الشارقين دون بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015