غَيْرِهِ كَانَ الْحَمْلُ لَاحِقًا بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهَا تَرَبَّصَتْ لِلْأَوَّلِ بِمُدَّةِ أَكْثَرِ الْحَمْلِ، وَهِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهُ وَأُلْحِقَ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بِوَطْءِ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةِ فِرَاشٍ لَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الْأَوَّلِ حَتَّى تَضَعَ لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا مِنَ الثَّانِي، فَإِذَا وَضَعَتْ عَادَتْ إِلَى إِبَاحَةِ الْأَوَّلِ، وإن حرم عليه وطئها فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي نِفَاسِهَا مِنْهُ، فَأَمَّا رِضَاعُ الْوَلَدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ رِضَاعِ اللِّبَأِ وَمَا لَا يَغْذُوهُ غَيْرُهُ وَلَا يُوجَدُ مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنِ اللِّبَأِ نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مُرْضِعَةٌ غَيْرُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ رَضَاعِهِ اسْتِيفَاءً لِحَيَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِهْلَاكٌ لِحَقِّهِ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا يَلْزَمُهُ فِي الضَّرُورَةِ أَنْ يُحْيِيَ بِمَالِهِ نَفْسَ غَيْرِهِ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُ مُرْضِعَةٌ غَيْرُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ رَضَاعِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَطَوِّعَةٌ لَا تُجْبَرُ عَلَى رَضَاعِهِ إِذَا امْتَنَعَتْ وَفِي الْحَالِ الْأُولَى مُعْتَرِضَةٌ تُجْبَرُ عَلَى رَضَاعِهِ لَوِ امْتَنَعَتْ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ التَّطَوُّعِ بِرَضَاعِهِ أَنْ تُسْقِطَ بِهِ حَقَّ اسْتِمْتَاعِهِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِرِضَاعِ غَيْرِهِ، وَلَا يَدُلُّ مَنْعُهُ لَهَا مِنَ الرِّضَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الرِّضَاعَ كَمَا يَمْنَعُهَا مِنْ خِدْمَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا خِدْمَةَ نَفْسِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْبِنَاءِ ولا يستحق عليه البناء.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي رِضَاعِهَا وَلَدَ غَيْرُهُ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا أَرْضَعَتْ وَلَدَ الثَّانِي بَعْدَ عَوْدِهَا إِلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تُرْضِعَهُ فِي بَيْتِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي بَيْتِ الْأَوَّلِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَكِنْ إِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَمْ تَعْصِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَصَتْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رِضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا تَكُونُ بِهِ عَاصِيَةً، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الْأَوَّلِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَقَدْ عَصَتْهُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَمْ تَعْصِهِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهَا لِلنَّفَقَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ.
وَالثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا لِتَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَذَلِكَ كَالْمُسَافِرَةِ إِنْ كَانَتْ مَعَ زَوْجِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِنِ انْفَرَدَتْ عَنْهُ بِالسَّفَرِ، وَكَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ ففي وجوب نفقتها وجهان:
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ أُرِيَتْهُ الْقَافَةُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَتَتْ بِوَلَدِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ بِنَفْسِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، فَفِي لُحُوقِ وَلَدِهَا بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُلْحَقُ بِهِ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى حُكْمِ فِرَاشِهِ.