الحاوي الكبير (صفحة 532)

(فصل)

وَقَالَ أبو حنيفة: يَصِحُّ بِكُلِّ أَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبِكُلِّ مَا كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا قَوْلَهُ " مَالِكِ يَوْمِ الْحِسَابِ " وَ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " وَ " حَسْبِيَ اللَّهُ " اسْتِدْلَالًا بقوله سبحانه: {قد أفلح من تزكى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15] قَالَ: وَلِأَنَّهُ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ فَصَحَّ انْعِقَادُهَا بِهِ كَقَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، فَلَمَّا صَحَّ بِقَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ

وَدَلِيلُنَا: رواية مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ "

وَرَوَى رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ لِيُكَبِّرْ "

وَرَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَيَخْتِمُ بِالتَّسْلِيمِ وَقَالَ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "، وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَصِحُّ افْتِتَاحُ الْأَذَانِ بِهِ لَا يَصِحُّ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِهِ كَقَوْلِهِ " حَسْبِيَ اللَّهُ "، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شُرِعَ فِي افْتِتَاحِهَا التَّكْبِيرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ إِلَّا بِهِ كَالْأَذَانِ وَإِنَّ الذِّكْرَ الْمَفْرُوضَ لَا يُؤَدَّى بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، كَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، لِأَنَّهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا عَيَّنَتْهُ النِّيَّةُ مِنَ التَّكْبِيرِ

وَالثَّالِثُ: أَنَّ حَقِيقَةَ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ لَا بِاللِّسَانِ، لِأَنَّ ضِدَّهُ اللِّسَانُ فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِالظَّاهِرِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى التَّكْبِيرِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ صِحَّةُ افْتِتَاحِ الْأَذَانِ بِهِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِاللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ تَضَمَّنَ لَفْظَ التَّكْبِيرِ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْمَعْنَى فَهُوَ لَا يُوجَبُ إِلَّا فِيمَا ذَكَرْنَا دُونَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ مِنِ افْتِتَاحِهَا بِقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " فَغَلَطٌ، لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِلَفْظِ قَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَمَعْنَاهُ وَزَادَ عَلَيْهِ حَرْفًا فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْجَوَازِ كَمَا لَوْ قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ "، وَأَمَّا إِجَازَةُ أبي يوسف افْتِتَاحَهَا بِقَوْلِهِ اللَّهُ الْكَبِيرُ، فَغَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ أَكْبَرَ وَزِيَادَةٍ فَهُوَ مُقَصِّرٌ عَنْ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ أَفْعَلَ أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ مِنْ فَعِيلٍ

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِيهَا إِلَّا بِقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " أَوِ " اللَّهُ الْأَكْبَرُ "، فَزَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، أَوِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوِ الله أكبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015