الحاوي الكبير (صفحة 5283)

فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ آيَةَ الشُّهُورِ مُتَقَدِّمَةٌ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى آيَةِ الْحَوْلِ.

قُلْنَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَقْلٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَوْلَ تَقَدَّمَ فِعْلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَثَبَتَ حُكْمُهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ مَا خَالَفَهُ طَارِئًا عَلَيْهِ قَالَ لَبِيدٌ.

(إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَوْلًا كَامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرَ)

فَثَبَتَ بِذَلِكَ تَقَدُّمُ الْحَوْلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ صَارَتْ آيَةُ الشُّهُورِ بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قُدِّمَتْ تِلَاوَةُ مَا تَأَخَّرَ تَنْزِيلُهُ، وَهَلَّا كَانَتِ التِّلَاوَةُ مُتَرَتِّبَةً عَلَى التَّنْزِيلِ؟

قِيلَ: قَدْ فَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَارَةً وَأَمَرَ بِهَذَا تَارَةً بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ؛ فَإِنَّ تَرْتِيبَ التِّلَاوَةِ عَلَى التَّنْزِيلِ فُقُدِّمَتْ تِلَاوَةُ مَا تَقَدَّمَ تَنْزِيلُهُ وَأُخِّرَتْ تِلَاوَةُ مَا تَأَخَّرَ تَنْزِيلُهُ فَقَدِ انْقَضَى وَإِنْ قُدِّمَتْ تِلَاوَةُ مَا تَأَخَّرَ تَنْزِيلُهُ فَلِسَبْقِ الْقَارِئِ إِلَى تِلَاوَتِهِ وَمَعْرِفَةِ الثَّابِتِ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى إِنْ لَمْ يُقِرَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ مَنْسُوخِ الْحُكْمِ أَجْزَأَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أشهر وعشر بخبرين:

أحدهما: مارواه الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ".

وَالثَّانِي: مَا رَوَتْهُ زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قالت جاءت امرأة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقالت: يا رسول الله إن بنتي توفي زَوْجُهَا وَقَدْ رَمِدَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015