وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ وَانْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَانْقَضَتْ عِنْدِي بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعِدَّةِ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِاللِّعَانِ ثُمَّ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى الْغَلَطِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يكون منفياً عنه لا بل اللعان فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ مِنَ الْغَلَطِ فِي النَّقْلِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُزَنِيُّ مِنَ الْغَلَطِ فِي النَّقْلِ وَأَنَّ الرَّبِيعَ نَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ لَا بِاللِّعَانِ وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ: لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمَا لَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا الْتَصَقَتِ اللَّامُ مِنْ لَا بِأَلِفٍ مِنَ اللِّعَانِ فَقُرِئَ بِاللِّعَانِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّقْلَ صَحِيحٌ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ باللعان ولا حق بِهِ إِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ وَلَدَ الرَّجْعِيَّةِ لَاحِقٌ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إِلَّا بِاللِّعَانِ، وَيَكُونُ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمَا لَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ يَعْنِي فِي الْأَغْلَبِ يُجْعَلُ لِلزَّوْجِ عُذْرًا فِي نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(فَصْلٌ)
قَالَ المزني: " وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا سَنَةٌ طُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ بِالْآخَرِ ولم نلحق به الآخر لأن طلاقه وقع بولادتها ثم لم يحدث لها نكاحاً ولا رجعة ولم يقربه فيلزمه إقراره فكان الولد منتفياً عنه بلا لعان وغير ممكن أن يكون في الظاهر منه (قال المزني) رحمه الله فوضعها لما لا يلد له النساء من ذلك أبعد وبأن لا يحتاج إلى لعان به أحق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَوْرَدَهَا الْمُزَنِيُّ احْتِجَاجًا بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْغَلَطِ فِي النَّقْلِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَنَحْنُ نَذْكُرُ فِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنِ الْغَلَطِ فِي النَّقْلِ، فَنَقُولُ: إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُمَا مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَمْلِ إِذَا كَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَانَ الْمَوْلُودُ قَبْلَهَا مُتَقَدِّمَ الْعُلُوقِ عَلَى وِلَادَةِ الْأَوَّلِ فَصَارَا حَمْلًا وَاحِدًا، وَإِذَا كَانَا حَمْلًا وَاحِدًا لَحِقَ بِهِ جَمِيعًا وَطُلِّقَتْ بِالْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَمْ تُطَلَّقْ بِهِ، لِأَنَّ الْوِلَادَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ بِمَا انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ بِالْأَوَّلِ فِي هَذِهِ المسألة رجعي،