الحاوي الكبير (صفحة 5254)

وَالْقِسْمُ السَّابِعُ: أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّنِي وَلَدْتُ بَعْدَ طَلَاقِكَ وَيَقُولَ الزَّوْجُ: لَسْتُ أَعْلَمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ وَلَهُ إِحْلَافُهَا فِي سُقُوطِ الْعِدَّةِ دُونَ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الرَّجْعَةَ مَعَ الْجَهْلِ بِاسْتِحْقَاقِهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّامِنُ: أَنْ يَجْهَلَا جَمِيعًا وَقْتَ الْوِلَادَةِ وَالطَّلَاقِ وَلَا يَعْلَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، هَلْ تَقَدَّمَ الطَّلَاقُ عَلَى الْوِلَادَةِ أَوْ تَقَدَّمَتِ الْوِلَادَةُ عَلَى الطَّلَاقِ فَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْعِدَّةِ فَلَا تَنْقَضِي بِالشَّكِّ وَأَنَّ الرَّجْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَيُخْتَارُ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَنْ لَا يَرْتَجِعَهَا احتياطاً.

(مسألة)

قال الشافعي: " وَلَوْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً وَلَا نِكَاحًا حَتَّى وَلَدَتْ لَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَهُوَ مَنْفِيٌّ بِاللِّعَانِ لِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِمَا لَا يَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ (قال المزني) رحمه الله فَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ عِنْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَهُ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ بِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ أَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِ، فَأَمَّا مُدَّةُ أَقَلِّ الْحَمْلِ الَّذِي يَعِيشُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ اسْتِنْبَاطًا مِنْ نَصٍّ وَانْعِقَادًا مِنْ إِجْمَاعٍ وَاعْتِبَارًا بِوُجُودٍ.

أَمَّا اسْتِنْبَاطُ النَّصِّ فَقَوْلُ اللَّهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف 15] فَجَعَلَهَا مُدَّةً لِلْحَمْلِ وَلِفِصَالِ الرَّضَاعِ وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْمُدَّةُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ.

إِمَّا أَنْ تَكُونَ جَامِعَةً لِأَقَلِّهِمَا أَوْ لِأَكْثَرِهِمَا أَوْ لِأَكْثَرِ الْحَمْلِ وَأَقَلِّ الرَّضَاعِ أَوْ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ الرَّضَاعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ جَامِعَةً لِأَقَلَّيْهِمَا لِأَنَّ أَقَلَّ الرَّضَاعِ غَيْرُ مُحَدَّدٍ، ولم يجز أن تكون جامعة لأكثرهما لزيادها عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ جَامِعَةً لِأَكْثَرِ الْحَمْلِ وَأَقَلِّ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ غير محدد فلم يبق إلا أن جَامِعَةً لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِ الرَّضَاعِ ثُمَّ ثَبَتَ أن أكثر الرضاع حولين لِقَوْلِ اللَّهِ: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] عُلِمَ أَنَّ الْبَاقِيَ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مُدَّةُ أَقَلِّ الْحَمْلِ.

وَأَمَّا انْعِقَادُ الإجماع فما رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَوَلَدَتْ فَرَافَعَهَا إِلَيْهِ فَهَمَّ عُثْمَانُ بِرَجْمِهِمَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ خَاصَمْتُكَ الْمَرْأَةُ خَاصَمْتُكَ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَإِذَا ذَهَبَ الْحَوْلَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015