قال الشافعي رضوان الله عليه: " وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِوَلَدَيْنِ فَوَضَعَتِ الْأَوَّلَ فَلَهُ الرَّجْعَةُ وَلَوِ ارْتَجَعَهَا وَخَرَجَ بَعْضُ وَلَدِهَا وَبَقِيَ بَعْضُهُ كَانَتْ رَجْعَةً وَلَا تَخْلُو حَتَّى يُفَارِقَهَا كُلُّهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهَا إِذَا وَضَعَتْ أَحَدَ الْوَلَدَيْنِ، أَوْ خَرَجَ بَعْضُ أَحَدِهِمَا انْتَقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَبَطَلَتْ رَجْعَةُ الزَّوْجِ كَمَا تَنْقَضِي عِدَّةُ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ كَذَلِكَ الْحَامِلُ تَقْضِي عِدَّتَهَا بِأَوَّلِ الْحَمْلِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِقَوْلِهِ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَوَضْعُ الْحَمْلِ يَكُونُ بَعْدَ انْفِصَالِ جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ وَخُلُوِّهِ مِنْ وَلَدٍ مَظْنُونٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ مَعَ بَقَاءِ وَلَدٍ مَوْجُودٍ، فَأَمَّا ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فَعِدَّتُهَا بِالْأَطْهَارِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى أَوَّلُ الْحَيْضِ لِاسْتِكْمَالِهَا وَالْحَامِلُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَاقْتَضَى أَنْ يُرَاعَى اسْتِكْمَالُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوِ ارْتَجَعَهَا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَلَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ بَطَلَ نِكَاحُهَا وَلَوِ انْفَصَلَ جَمِيعُ حَمْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَمْنَعُهَا بَقَاءُ النَّاسِ مِنْ نكاح غيره.
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: " وَلَوْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فَلَمْ يَدْرِ أَقَبْلَ وِلَادِهَا أَمْ بَعْدَهُ فَقَالَ وَقَعَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فَلِيَ الرَّجْعَةُ وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ وَالْخُلُوَّ مِنَ الْعِدَّةِ حَقٌّ لَهَا وَلَمْ يَدْرِ وَاحِدٌّ مِنْهُمَا كَانِتِ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ وَلَا نُزِيلُهَا إِلَّا بِيَقِينٍ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَرْتَجِعَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ دُونَ الثَّلَاثِ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَأَنْ عِدَّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقَنِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِهَا وَلَا رَجْعَةَ لَكَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمَا فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ أَنَّهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَخْتَلِفَا فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: هُوَ يَوْمُ السَّبْتَ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ، هُوَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسَ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ فِعْلِهِ فَرُجِعَ فِيهِ إِلَى قَوْلِهِ كَمَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي أَصْلِ وُقُوعِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَخْتَلِفَا فِي وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ وَلَدَتْ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ، بَلْ وَلَدْتُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مَعَ يَمِينِهَا، وَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوِلَادَةِ لِتَأَخُّرِهَا وَلَا رَجْعَةَ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْ فِعْلِهَا وَمَعْلُومٌ مِنْ جهتها.