حَيْضًا وَطُهْرًا، فَإِذَا حَاضَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ مَضَى لَهَا ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ لِتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَغْلَبُ مُعْتَبَرًا لأمرين:
أحدهما: أن الأغلب محصور.
والثاني: غَيْرُ مَحْصُورٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّأْكِيدَ يَتَقَابَلُ فِيهِ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ فَغَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الْأَغْلَبِ، فَإِذَا صَحَّ انْقِضَاءُ عَدَّتِهَا بِاسْتِكْمَالِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ طلاقها فقد حكى المزني ها هنا وَفِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ " فَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ الرَّابِعُ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا " وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا وَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَإِنَّمَا الْمُزَنِيُّ عَدَّ الهلال الذي طلقت فيه مع رويته لِاتِّصَالِهِ بِالْعِدَّةِ فَجَعَلَ الْعِدَّةَ مُنْقَضِيَةً إِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ الرَّابِعُ، وَالرَّبِيعُ لَمْ يَعُدَّ الْهِلَالَ الْأَوَّلَ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ فَصَارَ الْهِلَالُ الَّذِي انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّةُ ثَالِثًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ أَنْ مَضَى بَعْضُ الشَّهْرِ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَاقِي مِنْ شَهْرِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَدُّ بِبَاقِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا حَتَّى يُسْتَكْمَلَ بَعْدَهُ بِالشَّهْرِ فَتَصِيرُ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً بِالْهِلَالِ الرَّابِعِ، وَحَمَلُوا نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا وَنَسَبُوا إِلَيْهِ قَوْلَ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ - أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ الشَّهْرِ قُرْءًا، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَغْلَبِ فِي الشَّهْرِ أَنَّهُ يَجْمَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا يَقْتَضِي تَغْلِيبَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِهِ وَالطُّهْرَ فِي آخِرِهِ فَيَصِيرُ الطَّلَاقُ الْأَخِيرُ طَلَاقًا فِي الطُّهْرِ فَاعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا وَتَصِيرُ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ الثَّالِثِ، وَحَمَلُوا نَقْلَ الرَّبِيعِ عَلَى هَذَا وَنَسَبُوا إِلَيْهِ هَذَا الْوَجْهَ.
وَأَمَّا إِذَا طُلِّقَتِ الْمُبْتَدَأَةُ فِي الطُّهْرِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الدَّمِ ثُمَّ رَأَتِ الدَّمَ فِي شَهْرِهَا فَفِي اعْتِدَادِهَا بِمَا مَضَى مِنْ طُهْرِهَا قُرْءًا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يُعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا لِكَوْنِهِ طُهْرًا فَإِنَّمَا اسْتُكْمِلَ شَهْرَيْنِ بَعْدَهُ مَعَ اتِّصَالِ الدَّمِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مَعَ انْقِضَائِهَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ الثَّالِثِ.
وَالْوَجْهُ الثاني: وهي مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْءًا لِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ مِنَ الْحَيْضَتَيْنِ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدُهُمَا وَيَتَعَقَّبُهُ الْآخَرُ فَعَلَى هَذَا يُعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَعْدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِمَا بَقِيَ مِنَ الطُّهْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ أَوْ فِي تَضَاعِيفِهِ، لِأَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ هُوَ الْحَيْضُ يَقِينًا، فَلِذَلِكَ احْتُسِبَ بِأَوَّلِ شُهُورِ الْإِقْرَاءِ مِنْ وَقْتِ رؤيته.