فَإِنْ قَالُوا: رُوِّينَاهُ عَنِ الصَّحَابَةِ.
قِيلَ: فَقَدْ نَسَخْتُمْ عَلَى قَوْلِكُمُ الْقُرْآنَ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ اسْتِوَاءٌ لِلْحَالِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا التَّنَاقُضِ فَسَادًا، وَبِهَذَا الاعتذار تقصيراً
قال الشافعي: " وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ ثَمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةٍ فَذَلِكَ قُرْءٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الطُّهْرِ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَلِلْبَاقِي مِنْهُ قُرُوءٌ مُعْتَدٌّ بِهِ سَوَاءٌ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَوْ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: إِنْ جَامَعَهَا فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِبَاقِيهِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ كَالْحَيْضِ.
وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فَلَوْ لَمْ يُحْتَسَبْ بِطُهْرِ الطَّلَاقِ صَارَتْ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّهُ مُنِعَ مِنَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِئَلَّا تَطُولَ عِدَّتُهَا لِفَوَاتِ الِاعْتِدَادِ بِحَيْضِهَا وَتَرْكُهُ الِاعْتِدَادَ بِطُهْرِ الْجِمَاعِ أَبْعَدُ لِعِدَّتِهَا وَأَسْوَأُ حَالًا مِنَ الطَّلَاقِ فِي حَيْضِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ الِاعْتِدَادُ بِهِ كَالطُّهْرِ الَّذِي لَمْ يُجَامِعُ فِيهِ اشْتَمَلَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِي أَوَّلِ الْعِدَّةِ.
وَالثَّانِي: فِي آخِرِهَا.
فَأَمَّا أَوَّلُ الْعِدَّةِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الطَّلَاقِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ.
فَإِنْ كَانَ فِي حَيْضٍ فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ وَلَا يُعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُخَالِفِنَا فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الطُّهْرِ الْمُقْبِلِ فَهُوَ أَوَّلُ عِدَّتِهَا عِنْدَنَا، وَيَكُونُ اعْتِدَادُهَا بِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَوَامِلَ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ وَلَهُ حَالَتَانِ:
أحدهما: أَنْ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ زَمَانٌ يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْهُ قُرْءًا وَإِنْ قَلَّ وَحَدَّهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ بِثَلَاثَةِ أَزْمِنَةٍ زَمَانٍ لِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَزَمَانٍ لِوُقُوعِهِ، وَزَمَانٍ لِلِاعْتِدَادِ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي اعْتَبَرَهُ مِنْ زَمَانِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ زَمَانِ التَّلَفُّظِ بِهِ وَلَا يَتَمَيَّزُ فِي التَّصَوُّرِ، لِأَنَّهُ وَاقِعٌ بِاسْتِيفَاءِ لَفْظِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ بَعْدَهُ إِلَى زَمَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ، وَصَارَ مَحْدُودًا بِزَمَانَيْنِ، زَمَانِ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ وَزَمَانِ الِاعْتِدَادِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ الطُّهْرِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ إِمَّا بِأَنْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِمَّا بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي آخِرِ أَجْزَاءِ طُهْرِكِ فَاسْتَوْعَبَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ آخِرَ الطُّهْرِ فَقَدْ حَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا: