الحاوي الكبير (صفحة 5220)

زَمَانِ الْحَيْضِ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْوَطْءِ وَيَمْلِكُ إِيقَاعَهُ مِنَ الطَّلَاقِ الْمُبَاحِ فَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِالطُّهْرِ أَخَصَّ مِنَ الْحَيْضِ.

وَلَكَ تَحْرِيرُهُ قِيَاسًا فَنَقُولُ: حَقُّ الزَّوْجِ إِذَا تَفَرَّدَ بِأَحَدِ الزَّمَانَيْنِ كَانَ بِالطُّهْرِ أَخَصَّ مِنْهُ بِالْحَيْضِ كَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ.

وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَقْرَاءِ تَجْمَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَنَا ثَلَاثَةُ أطهار تتخللها حيضتان وعندهم ثلاث حيض تتخللها طُهْرَانِ، وَأَكْثَرُهُمَا مَتْبُوعٌ وَأَقَلُّهَا تَابِعٌ فَكَانَ الطُّهْرُ بِأَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِطَرْءِ الْحَيْضِ عَلَى الطُّهْرِ فِي الصِّغَرِ وَارْتِفَاعِهِ مِنْ بَقَاءِ الطُّهْرِ فِي الْكِبَرِ.

وَالثَّانِي: لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ بِكَثْرَتِهِ عَلَى الْحَيْضِ لِقِلَّتِهِ. وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّالِثُ: أَنَّ الطَّلَاقَ إِنَّمَا أُبِيحَ فِي الطُّهْرِ وَحُظِرَ فِي الْحَيْضِ لِيَكُونَ تَسْرِيحًا بِإِحْسَانٍ يَتَعَجَّلُ بِهِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ وَتُخَفُّفُ بِهِ أَحْكَامُ الْفُرْقَةِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِالطُّهْرِ أَعْجَلُ مِنَ انْقِضَائِهَا بِالْحَيْضِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَدُّ عِنْدَنَا بِالطُّهْرِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ وَلَا تَعْتَدُّ عِنْدَهُمْ بِالْحَيْضِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ.

وَالثَّانِي: في الانتهاء؛ لأنها تقضي عِنْدَنَا بِدُخُولِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَتَنْقَضِي عِنْدَهُمْ بِاسْتِكْمَالِ الْحَيْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَا وَافَقَ مَقْصُودَ الْإِبَاحَةِ كَانَ أَوْلَى بِالْمُرَادِ مِمَّا وَافَقَ مَقْصُودَ الْحَظْرِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يَقْتَضِي اسْتِكْمَالَهَا وَالِاعْتِدَادُ بِالْأَطْهَارِ مُفْضٍ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْقُرْءَ مَا وَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ مِنْ قَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ، لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ عِنْدَنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْحَيْضِ وَكَثِيرِهِ عِنْدَهُمْ فَصَارَ الطُّهْرُ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ قُرْءًا كَامِلًا وَإِنْ كَانَ زَمَانُهُ قَلِيلًا.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الثَّلَاثِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَبَعْضِ الثَّالِثِ كَمَا قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، وَكَقَوْلِهِمْ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ وَهُوَ يَوْمَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فِي الْأَقْرَاءِ.

وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الطُّهْرَ وَإِنْ أَفْضَى إِلَى نُقْصَانِ الثَّالِثِ إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ فَالْحَيْضُ مُفْضٍ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّالِثِ إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ فَصَارَ النُّقْصَانُ عِنْدَنَا مُسَاوِيًا لِلزِّيَادَةِ عِنْدَهُمْ فِي مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ ثُمَّ عِنْدَهُمْ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ النُّقْصَانِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عِنْدَهُمْ نَسْخٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015