أَطْعِمْ زَيْدًا لِيَشْبَعَ وَأَعْطِ زَيْدًا لِيَعْمَلَ، يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ دُونَ التَّأْخِيرِ.
وَمَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ اعْتَدَّ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ هَذَا الطَّلَاقُ الْمَأْمُورُ بِهِ فَوَصَلَ بِهِ الْعِدَّةَ.
وَمَنْ جَعَلَهَا الْحَيْضَ لَمْ يَعْتَدَّ بِبَقِيَّتِهِ فَفَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِدَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَنَحْنُ يُمْكِنُنَا أَنْ نَصِلَ الْعِدَّةَ بِهَذَا الطَّلَاقِ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الطُّهْرِ لِاتِّصَالِ الْحَيْضِ بِهِ وَهُوَ مُعْتَدٌّ بِهِ عِنْدَنَا وَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ عِنْدَكُمْ فَسَاوَيْنَاكُمْ فِي هَذَا الظَّاهِرِ حَيْثُ وَصَلْنَا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْوَضْعِ دُونَكُمْ وَوَصَلْتُمْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دُونَنَا.
قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الِاعْتِدَادِ بِزَمَانِ الطَّلَاقِ إِذَا كَانَ آخِرَ أَجْزَاءِ الطهر على وجهين حكاهما ابن سري.
أَحَدُهُمَا: يُعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا، وَيَكُونُ الْعِدَّةَ وَالطَّلَاقَ مَعًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ، كَانَ وَقْتُ عِتْقِهِ وَقْتًا لِلتَّمْلِيكِ وَالْعِتْقِ جَمِيعًا، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُمُ التَّسَاوِي فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّنَا نُسَاوِيهِمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَعْمَلْنَاهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَحَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَصًّا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاعْتِدَادُ بِزَمَانِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَتَعَقَّبَهُ زَمَانُ الْعِدَّةِ لتمييز فَتَكُونُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَوْ وَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِزَمَانِ الطَّلَاقِ لَصَارَتِ الْعِدَّةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى الطَّلَاقِ، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فَعَلَى هَذَا هُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الظَّاهِرَ فِي نَادِرٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ وَنَحْنُ نَسْتَعْمِلُهُ فِي غَالِبٍ مُعْتَادٍ، فَكَانَ حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى اسْتِعْمَالٍ مُعْتَادٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَكَلُّفِ اسْتِعْمَالٍ نَادِرٍ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمَرَ " مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تطهر إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ " فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطْلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ. فَجَعَلَ الطُّهْرَ زَمَانَ الْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَوْلُهُ فَتِلْكَ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى مُؤَنَّثٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ إِلَى الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ وَعَادَ إِلَى الْحَيْضِ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ.
قِيلَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَيْضِ، لِأَنَّ زَمَانَ الطَّلَاقِ الْمَأْمُورَ بِهِ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ وَتَكُونُ إِشَارَةُ التَّأْنِيثِ مَحْمُولَةً عَلَى الْعِدَّةِ أَوْ عَلَى حَالِ الطُّهْرِ وَالْحَالُ مُؤَنَّثَةٌ، وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَقِيَاسٌ وَاسْتِدْلَالٌ وَاشْتِقَاقٌ.