وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَعْذَارَ الَّتِي تُعْجِزُ عَنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَكُونُ عَامَّ الْوُقُوعِ، وَإِذَا وَقَعَ جَازَ أَنْ يَدُومَ كَالْمَرَضِ فَهَذَا يَسْقُطُ مَعَهُ الْقَضَاءُ، وَضَرْبٌ يَكُونُ عام الوقوع وإذا وقع لم يدم ك " المسايفة " وعدم الماء فهو يُسْقِطُ الْقَضَاءَ، وَضَرْبٌ يَكُونُ نَادِرَ الْوُقُوعِ، وَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَدُمْ كَعَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ الْإِعَادَةَ، فَلَمَّا كَانَ الْخَطَأُ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ نَادِرًا لَا يَدُومُ لَمْ يُسْقِطِ الْإِعَادَةَ، وَلَمَّا كَانَ الْعَجْزُ عَنِ الْقِيَامِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ عَامًّا قَدْ يَدُومُ سَقَطَ مَعَهُ الْإِعَادَةُ، وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِأُصُولِ الْأَعْذَارِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وسقوطه
الفصل الخامس: من أسئلته: أَنْ قَالَ احْتِجَاجًا قَدْ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى أَهْلُ قَبَاءٍ رَكْعَةً إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ وَاسْتَدَارُوا وَبَنَوْا بَعْدَ تَعْيِينِهِمْ أَنَّهُمْ صَلَّوْا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَجَعَلَ الْمُزَنِيُّ سُقُوطَ الْإِعَادَةِ عَنْ أَهْلِ قِبَاءٍ مَا صَلَّوْا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْ كُلِّ مَنْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا: أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي النُّسَخِ هَلْ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ بِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا إِلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ عَلَى الْفَرْضِ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَكُونُ مَنْسُوخًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ سُؤَالُ الْمُزَنِيِّ، لِأَنَّ أَهْلَ قِبَاءٍ قَبْلَ عِلْمِهِمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ النَّسْخُ إِلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ بَعْضُهُمْ، لِأَنَّ فَرْضَهُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى جَمِيعِهِمْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ قِبَاءٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ أَهْلَ قِبَاءٍ صَلَّوْا بِالنَّصِّ عَلَى الْيَقِينِ الْأَوَّلِ فَجَازَ أَنْ تَسْقُطَ الْإِعَادَةُ عَنْهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الِاجْتِهَادَ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِالنَّسْخِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا بِاجْتِهَادٍ لَا بِنَصٍّ، وَعَنْ ظَنٍّ لَا يَقِينٍ فَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ " فَتَفَهَّمْ " - يُرِيدُ بِهِ الشَّافِعِيَّ -
قَالَ أَصْحَابُنَا: كُلُّ مَوْضِعٍ يَقُولُ فِيهِ الْمُزَنِيُّ تفهم - يُرِيدُ بِهِ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ - وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَقُولُ فِيهِ " فَافْهَمْ " - يُرِيدُ بِهِ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ - وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَقُولُ فِيهِ الشَّافِعِيُّ " قَالَ بَعْضُ النَّاسِ " - يُرِيدُ بِهِ أبا حنيفة -، وَكُلُّ مَوْضِعٍ قَالَ فِيهِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - يُرِيدُ بِهِ مَالِكًا - وَإِذَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُزَنِيُّ بَعْدَهُ فَصْلًا لَا احْتِجَاجَ فِيهِ وَلَا اسْتِشْهَادَ، وَهَذِهِ إِحْدَى مَسَائِلِهِ الثَّلَاثِ الَّتِي أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهَا، وَالْأُخْرَى الْمُتَيَمِّمُ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي تَضَاعِيفِ صَلَاتِهِ
وَالثَّالِثَةُ: ظِهَارُ السَّكْرَانِ وَكَلَامُهُ في هذه المسألة أطول
(مسألة)
: قال الشافعي: " وَيُعِيدُ الْأَعْمَى مَا صَلَّى مَعَهُ مَتَى أَعْلَمَهُ "