هَذَا وَوَطِئَ الْأَمَةَ صَارَتْ حِينَئِذٍ فِرَاشًا فَأَيُّ وَلَدٍ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا، وَلَا يُرَاعَى فِيهِ إِقْرَارُهُ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَمَةُ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ، وَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا حَتَّى يُقِرَّ بِهِ فَيَصِيرَ بِإِقْرَارِهِ وَلَدًا، فَإِنْ وَضَعَتْ بَعْدَهُ وَلَدًا صَارَتْ بِالْأَوَّلِ فِرَاشًا وَلَحِقَ بِهِ الثَّانِي، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إِقْرَارٍ.
اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ مُخَالِفٌ لِوَلَدِ الْحُرَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا لَمْ يَلْحَقْهُ وَلَحِقَهُ وَلَدُ الْحُرَّةِ وَلَوِ اسْتَبْرَأَهَا لَمْ يَلْحَقْهُ وَلَحِقَهُ وَلَدُ الْحُرَّةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ بِهِ مُعْتَبَرًا وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ لِفِرْقِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِهِ وَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ غَيْرِ إِقْرَارٍ لَمَا انْتَفَى عَنْهُ إِلَّا بِلِعَانِهِ، وَفِي نَفْيِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِهِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ كَالْحُرَّةِ لَاعْتُبِرَ فِي رَفْعِهِ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالِاسْتِبْرَاءِ مَعَ بَقَاءِ الِاسْتِبَاحَةِ، كَمَا لَا يَرْتَفِعُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِرَاشُ الْحُرَّةِ.
وَدَلِيلُنَا السُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْعِبْرَةُ.
فَأَمَّا السُّنَّةُ: فَرَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مالك - رضي الله عنه - عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: إِنَّ أَخِي عُتْبَةَ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ كَانَ أَلَمَّ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنْ أَطْلُبَهُ إِنْ دَخَلَتْ مَكَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ للفراش، وللعاهر الحجر:
وفيه ثلاثة أدلة:
أحدهما: قَوْلُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَجَعَلَهَا فِرَاشًا لِأَبِيهِ، وَجَعَلَ وَلَدَهَا أَخًا لَهُ بِالْفِرَاشِ، فَإِنَّ إِقْرَارَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهُ عَلَى هَذَا دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهِ وَصِحَّتِهِ.
وَالثَّانِي: جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: " هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ للفراش وللعاهر الْحَجَرُ " فَجَعَلَهَا فِرَاشًا وَحَكَمَ بِهِ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ أَخًا وَجَعَلَ الْفِرَاشَ مُثْبِتًا لِنَسَبِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا صَارَتِ الْحُرَّةُ فِرَاشًا بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ فِي الْأَمَةِ دُونَهَا فَلِأَنْ تَصِيرَ بِهِ الْأَمَةُ فِرَاشًا أَوْلَى، لِأَنَّ نَقْلَ السَّبَبِ مَعَ الْحُكْمِ يَمْنَعُ مِنْ خُرُوجِ الْحُكْمِ عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ إِجْمَاعًا إِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ أَوْ مُتَجَاوِزًا لَهُ؟ .