الْقَوْلَ قَوْلَ الْقَاذِفِ دُونَ الْمَقْذُوفِ، وَجَعَلُوا فِي الْقَتْلِ الْقَوْلَ قَوْلَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ دُونَ الْقَاتِلِ وفرقوا بينهما بفرقين:
أحدهما: أن القود في القتل موضوع لمعنى الْمُمَاثَلَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الِانْتِقَالِ عَنْهُ إِلَى التَّعْزِيرِ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَتْلَ إِذَا انْتُقِلَ عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ انْتُقِلَ مِنْ مَشْكُوكٍ فِيهِ إِلَى مَشْكُوكٍ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ تَأْثِيرٌ، وَالْقَذْفُ إِذَا انْتُقِلَ عَنِ الْحَدِّ فِيهِ إِلَى التَّعْزِيرِ انْتُقِلَ مِنْ مَشْكُوكٍ فِيهِ إِلَى يَقِينٍ، فَكَانَ لِانْتِقَالِهِ تَأْثِيرٌ، وَكِلَا الْفَرْقَيْنِ مَعْلُولٌ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مُرْتَدَّةٌ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَلَهَا فِيمَا ادَّعَاهُ مَنْ رِدَّتِهَا وَقْتَ قَذْفِهِ حَالَتَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَعْلَمَ لَهَا رِدَّةً تَقَدَّمَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا. أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُسْلِمَةً وَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا اسْتِدَامَةُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى تُخَالِفُهُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً عَلَى رِدَّتِهَا فَيُحْكَمُ بِهَا وَلَا يُحَدُّ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْبَيِّنَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَشَهَدَ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَلَا يَكْتَفِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الرِّدَّةِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ مَقْصُورًا عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَا تُقْبَلُ يَمِينُهُ إِنْ لَمْ تَشْهَدِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْلَمَ تَقَدُّمَ رَدَّتِهَا وَيَخْتَلِفَانِ، فَيَقُولُ الْقَاذِفُ: قَذَفْتُكِ وَأَنْتِ مُرْتَدَّةٌ وَتَقُولُ الْمَقْذُوفَةُ: قَذَفْتَنِي وَأَنَا مُسْلِمَةٌ. فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ مع يمينه؛ لأن الحدود قدراً بِالشُّبُهَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَقْذُوفَةِ مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِحْصَانُ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ الْقَوْلِ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الرِّدَّةِ.
(مسألة)
قال الشافعي: " وَلَوِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إِقْرَارِهَا بِالزِّنَا فَسَأَلَ الْأَجَلَ لَمْ أُؤَجِّلْهُ إِلَّا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا حُدَّ أَوْ لَاعَنَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ لأنا لَوْ لَمْ نُؤَجِّلْهُ لِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ لَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ لِوَقْتِهِ، لَأَنَّ الشُّهُودَ فِي الْأَغْلَبِ غَيْرُ حُضُورٍ، ولو عُوجِلَ بِالْحَدِّ مَعَ إِمْكَانِ الْبَيِّنَةِ لَصَارَ