رِجْلُكِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ - يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ: فِي الْبَدَنِ وَهُوَ قَاذِفٌ وَفِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا، وَلَا فِي الْعَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا كُلُّهُ مَا عَدَا الْفَرْجَ واحداً وَلَمْ يُصَرِّحْ أَنَّهُ وَاحِدٌ فِي الْقَذْفِ، فَلَمْ يختلف أصحابنا أنه إذا قال: زنا فَرْجُكِ، أَنَّهُ قَاذِفٌ، وَإِذَا قَالَ: زَنَتْ عَيْنُكِ، لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَعْضَاءِ هَلْ يَكُونُ قَاذِفًا بِإِضَافَةِ الزِّنَا إِلَيْهَا أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَكُونُ قَاذِفًا إِذَا قَالَ: زَنَتْ يَدُكِ، أَوْ رِجْلُكِ أَوْ رَأْسُكِ، أَوْ يَدُكِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَدِيمِ، وَنَسَبُوا الْمُزَنِيَّ إِلَى الْخَطَأِ فِي نَقْلِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا اللَّمْسُ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ الْفَرْجُ، وَلِأَنَّ بِالْفَرْجِ يَكُونُ الزِّنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ قَاذِفًا كَالْفَرْجِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ كَمَا يَسْتَوِي جَمِيعُهُ فِي الطَّلَاقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سريج إنه إذا قال: زنا بَدَنُكِ كَانَ قَاذِفًا، وَلَوْ قَالَ زَنَتْ يَدُكِ أَوْ رِجْلُكِ أَوْ رَأْسُكِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، لِأَنَّ الْبَدَنَ هُوَ الْجُمْلَةُ الَّتِي فِيهَا الْفَرَجُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِالْفَرْجِ قَاذِفًا وَبِالْبَدَنِ الَّذِي مِنْهُ الْفَرَجُ لَيْسَ بِقَاذِفٍ فَأَمَّا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ مِنَ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَلَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَا فَلَا يَكُونُ بِهَا قَاذِفًا كَالْعَيْنِ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْأَعْضَاءِ الَّتِي لَا تَبْقَى الحياة بانفصالها وبين ما تبقى الحياة بفصالها فجعله قاذفاً بقوله: زنا رَأْسُكِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَاذِفًا بِقَوْلِهِ: زَنَتْ يَدُكِ أَوْ رِجْلُكِ، وَبَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمِ مَا يَحْفَظُ الْحَيَاةَ وَمَا لَا يَحْفَظُهَا، أَنَّ كُلَّ مَا لَوْ نَسَبَهُ مِنْهَا إِلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالزِّنَا لَمْ يَكُنْ إِذَا نَسَبَهُ إِلَى غَيْرِهِ قَاذِفًا بِالزِّنَا، كَالْعَيْنِ طَرْدًا وَالْفَرْجِ عَكْسًا لِاسْتِوَاءِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَالْقَذْفِ به في الصريح والكناية.
قال الشافعي: " وَكُلُّ مَا قَالَهُ وَكَانَ يُشْبِهُ الْقَذْفَ إِذَا احْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا وَقَدْ أَتَى رَجُلٌ مِنْ فَزَارَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال إن امرأتي ولدت غلاماً أسود فلم يجعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قذفا وقال اللَّهُ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ به من خطبة النساء} فكان خلافاً للتصريح ".