فِيهِ لَكِنْ يُعَزَّرُ لِلْأَذَى، وَإِنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ إِذَا حُكِمَ بِتَصْدِيقٍ فِي قَذْفٍ اقْتَضَى أَنْ يُحْكَمَ بِهِ فِي كُلِّ قَذْفٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِفَّتَهَا قَدْ سَقَطَتْ فِي حَقِّهِ بِلِعَانِهِ لِأَنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ لَهُ، وَمَعَ سُقُوطِ الْعِفَّةِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، فَأَمَّا إِذَا قَذَفَهَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَجَانِبِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا من أن تكون قد لاعنت أن نَكَلَتْ، فَإِنْ لَاعَنَتْ كَانَتْ عَلَى عِفَّتِهَا مَعَ الْأَجَانِبِ وَإِنْ سَقَطَتْ مَعَ الزَّوْجِ، فَعَلَى هَذَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِبَقَائِهَا عَلَى الْعِفَّةِ مَعَهُ. وَإِنْ نَكَلَتْ عَنِ اللِّعَانِ وَحُدَّتْ لِلزِّنَا فَفِي سُقُوطِ عِفَّتِهَا مَعَ الْأَجَانِبِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهَا عَلَى عِفَّتِهَا مَعَ الْأَجَانِبِ وَأَنَّ مَنْ قَذَفَهَا فِيهِمْ حُدَّ لِاخْتِصَاصِ اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّ الْحَدَّ قَدْ أَسْقَطَ عِفَّتَهَا مَعَ الأجانب كما لو حدث بِالْبَيِّنَةِ، لِتَنَافِي اجْتِمَاعِ الْحَدِّ وَالْعِفَّةِ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهَا أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ زَوْجًا لكن يعزر للأذى.
قال الشافعي: " وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَطَلَبَا الْحَدَّ فَإِنِ الْتَعَنَ فَلَا حَدَّ لَهُ إِذَا بَطَلَ الْحَدُّ لِهَا بَطَلَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لَهُمَا أَوْ لِأَيِّهِمَا طَلَبَ لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فحكمه حكم الحد الواحد إذا كان لعان واحد أو حد واحد وقد رمى العجلاني امرأته برجل سماه وهو ابن السحماء رجل مسلم فلاعن بينهما ولم يحده له ولو قذفها غير الزوج حد لأنها لو كانت حين لزمها الحكم بالفرقة ونفي الولد زانية حدت ولزمها اسم الزنا ولكن حكم الله تعالى ثم حكم رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيهما هكذا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا ذَكَرَ فِي قَذْفِ زَوْجَتِهِ اسْمَ الزَّانِي بِهَا وَصَارَ قَاذِفًا لَهُ وَلَهَا فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُلَاعِنَ، أَوْ يَمْتَنِعَ، فَإِنِ امْتَنَعَ وَجَبَ أَنْ يُحَدَّ لِقَذْفِهِمَا، فَإِنْ قيل يقوله فِي الْقَدِيمِ: إِنَّهُ إِذَا قَذَفَ اثْنَيْنِ بِلَفْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ كَانَ هَذَا الْقَذْفُ أَوْلَى أَنْ يَجِبَ بِهِ حَدٌّ وَاحِدٌ.
وَإِنْ قِيلَ بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ: إِنَّ عَلَيْهِ فِي قَذْفِ الِاثْنَيْنِ حَدَّيْنِ فَقَدْ عَلَّلَهُ أَصْحَابُنَا بِعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ بِقَذْفِهِ الْمَعَرَّةَ عَلَى اثْنَيْنِ، فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ وَجَبَ عَلَيْهِ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ بِالْمُسَمَّى حَدَّيْنِ لِإِدْخَالِ الْمَعَرَّةِ بِهِ عَلَى اثنين.