إِبْعَادٌ، وَكُلُّ مُنْتَقَمٍ مِنْهُ مُبْعَدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مُبْعَدٍ مُنْتَقَمًا مِنْهُ، فَصَارَ الْغَضَبُ أَغْلَظَ، وَلِذَلِكَ غَلُظَ بِهِ لِعَانُ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الزِّنَا مِنْهَا أَقْبَحُ وَالْمَعَرَّةَ مِنْهَا أَفْضَحُ.
وَإِنْ نَقَلَ الْغَضَبَ إِلَى الزَّوْجِ حَتَّى قَالَ: وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ، بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ؛ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ.
وَالثَّانِي: يُجْزِئُ، لِأَنَّهُ أَغْلَظُ مِنَ النَّصِّ مَعَ دُخُولِهِ فِيهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي تَرْتِيبِ اللَّفْظِ فَيَجْعَلَ مَا فِي الْخَامِسَةِ مِنَ اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ قَبْلَ الشَّهَادَاتِ أَوْ فِي تَضَاعِيفِهَا فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ لِمُخَالَفَةِ التَّرْتِيبِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ التَّغْلِيظِ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدَدِ، فَإِنْ كَانَ خِلَافُهُ فِي الزِّيَادَةِ فَزَادَ عَلَى الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ خَامِسَةً، أَوْ عَلَى اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ في الخامسة سادسة، فقد أساء وأجزاء، وَإِنْ كَانَ خِلَافُهُ فِي النُّقْصَانِ فَتَرَكَ بَعْضَ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ، أَوْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ فِي اللَّعْنِ وَالْغَضَبِ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللِّعَانِ، سَوَاءٌ تَرَكَ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ، وَيُنْقَضُ حُكْمُهُ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ تَرَكَ أَقَلَّهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أساء، ولا ينقض حُكْمُهُ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهِ، وَمَا اسْتَقَرَّ فيه الخلاف ساع فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَالْحُكْمُ إِذَا نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ مُسَوَّغٍ لَمْ يُنْقَضْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ إِدْرَاكَ مُعْظَمِ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ إِدْرَاكِ جَمِيعِهِ، كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَانَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ كَالْمُدْرِكٍ لَهُ مُحْرِمًا، كَذَلِكَ أَكْثَرُ اللِّعَانِ يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ جَمِيعِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لمن الكاذبين وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 8، 9] فَعَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِ بِخَمْسٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَلَّقَ بِأَقَلَّ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَبَيْنَ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَتِهِ بِخَمْسٍ ثُمَّ فَرَّقَ، وَالْحُكْمُ إِذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ مِنَ اللِّعَانِ عَلَى بَعْضِهِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّهِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا تَعَلَّقَ بِعَدَدٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِبَعْضِهِ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ فَكَذَلِكَ أَعْدَادُ اللِّعَانِ، وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ عَدَدُهُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ كَالشَّهَادَةِ؛ وَلِأَنَّ اللِّعَانَ إِمَّا أَنْ