قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو كانت امرأة محدودة في زنا فقذفها بذلك لزنا أَوْ بِزِنًا كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمَحْدُودَةَ فِي الزِّنَا لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَسَوَاءٌ حُدَّتْ بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَيْهَا لِثُبُوتِ مَا قُذِفَتْ بِهِ مِنَ الزِّنَا فَصَارَ الْقَذْفُ صِدْقًا وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَحْتَمِلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لِدُخُولِ الْمَعَرَّةِ وَهَتْكِ الْحَصَانَةِ، وَالْمَحْدُودَةُ قَدْ دَخَلَتِ الْمَعَرَّةُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا دُونَ الْقَذْفِ، وَارْتَفَعَتْ بِهِ حَصَانَتُهَا فَسَقَطَ الْحَدُّ فِي قَذْفِهَا وَهَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَ الْقَذْفُ ثُمَّ قَامَتْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِالزِّنَا، لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا، لِثُبُوتِ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ حُدَّتْ بِهَا أَوْ لَمْ تُحَدَّ وَسَوَاءٌ أَقَامَهَا الْقَاذِفُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاذِفِهَا حَدٌّ عُزِّرَ، وَكَانَ تَعْزِيرَ سَبٍّ وَأَذًى لَا تَعْزِيرَ قَذْفٍ لِتَحَقُّقِ الْقَذْفِ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ زَوْجًا وأراد أن يلتعن فالذي رواه المزني هاهنا: عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " عُزِّرَ إِنْ طَلَبَتْ ذَلِكَ أَوْ يَلْتَعِنُ فَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ تَمْنَعُ مِنَ اللِّعَانِ، وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ تُجَوِّزُهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا على ثلاثة طرق:
أحدها: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الرَّبِيعَ وَهِمَ فِي رِوَايَتِهِ، وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ يُرَادُ لِتَصْدِيقِ الْقَذْفِ وَقَدْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِالْبَيِّنَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ اللِّعَانِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِرَفْعِ مَا أَوْجَبَهُ القذف وهي تَعْزِيرُ سَبٍّ لَا تَعْزِيرَ قَذْفٍ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارِكِيِّ، وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَطَّانِ تَصْحِيحُ الرِّوَايَتَيْنِ وَتَخْرِيجُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْتَعِنُ عَلَى مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَوَجْهِ ما ذكرناه.
والقول الثاني: يلتعن عَلَى مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ، لِأَنَّهُ أَجَازَ تَحْقِيقَ قَذْفِهِ بِالِالْتِعَانِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، فَأَوْلَى أَنْ يُحَقِّقَهُ بِالِالْتِعَانِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ لِصِدْقِهِ وَأَنْفَى لِكَذِبِهِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ: فَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ فِي مَنْعِهِ مِنَ الِالْتِعَانِ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَذَفَهَا بِزِنًا كَانَ قَبْلَ زَوْجِيَّتِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إِسْقَاطَ حَدِّهِ بِاللِّعَانِ، فَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ وَرِوَايَةُ الرَّبِيعِ فِي أَنَّهُ يُلَاعِنُ أَرَادَ بِهِ إِذَا قَذَفَ بِزِنًا أَضَافَهُ إِلَى الزَّوْجِيَّةِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً ثُمَّ أَعَادَ الْقَذْفَ بِذَلِكَ الزِّنَا فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَنَّ