قال المزني رضي الله عنه: " وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إِمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ وَلَوْ جَاءَتْ بِحَمْلٍ وَزَوْجُهَا صَبِيٌّ دُونَ الْعَشْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ وَأَكْثَرَ وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ كَانَ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَيَكُونَ وَلَدَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانُ أَقَلِّ الزَّمَانِ الذي يحتلم فيه الغلمان وهو عثر سِنِينَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً اعْتِبَارًا بِالْوُجُودِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَرَ غُلَامًا احْتَلَمَ لأقل منها بدليلنا عَلَيْهِ وُرُودُ السُّنَّةِ بِاعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي أَحْكَامِ الْبُلُوغِ. وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَالَ " مُرُوهُمْ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجح " ولأن أقل زمان الاحتلام معتبراً بِالْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ مَنِ احْتَلَمَ لِعَشْرٍ وَإِنْ نَدَرَ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ حَدًّا لِأَقَلِّهِ كَالْحَيْضِ لِتِسْعٍ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وُلِدَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَلَوْ وُجِدَ مَنِ احْتَلَمَ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَجَعَلْنَاهُ حَدًّا، لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ، كَمَا لَمْ تُوجَدْ مَنْ تَحِيضُ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعٍ ولو وجدت لصارت حداً، فإن قيل: لما صَارَ أَقَلُّ زَمَانِ الْحَيْضِ تِسْعًا وَأَقَلُّ زَمَانِ الِاحْتِلَامِ عَشْرًا.
قِيلَ: قَدْ كَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُ أَقَلَّ زَمَانِهِمَا تِسْعَ سِنِينَ، وَيَحْمِلُ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَشْرِ عَلَى أَنَّهَا حَدُّ لُحُوقِ الْوَلَدِ تَقْرِيبًا لِأَقَلِّ زَمَانِهِ وَإِنْ قَلَّ الِاحْتِلَامُ عَلَى التَّحْقِيقِ لِتِسْعِ سِنِينَ كَالْحَيْضِ، لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي الْبُلُوغِ بِالسِّنِينَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْبُلُوغِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ لِتِسْعِ سِنِينَ، فَعَلَى هَذَا لو جاءت امرأته الْغُلَامِ بِوَلَدٍ لِتِسْعِ سِنِينَ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ التِّسْعِ هِيَ مُدَّةُ أَقَلِّ الْحَمْلِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مُتَقَدِّمُوهُمْ وَمُتَأَخِّرُوهُمْ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ زَمَانِ الِاحْتِلَامِ عَشْرُ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَ أَقَلُّ زَمَانِ الْحَيْضِ تِسْعًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ، وَقَدْ وُجِدَ الْحَيْضُ لِتِسْعٍ وَلَمْ يُوجَدِ الِاحْتِلَامُ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْوُجُودِ، ثُمَّ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى وهو أن دم الحيض يرخيه الرحم بعد اجتماعه لِضَعْفِ الْجَسَدِ عَنْ إِمْسَاكِهِ، وَمَنِيُّ الِاحْتِلَامِ يَخْرُجُ لِقُوَّةِ الْجِسْمِ عَنْ دَفْعِهِ فَصَارَ بَيْنَهُمَا شَبَهٌ لِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ بِهِمَا.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ أَقَلَّ زَمَانِ الِاحْتِلَامِ عَشْرُ سِنِينَ فَمَتَى وَضَعَتْ زَوْجَةُ الْغُلَامِ وَلَدًا نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا أَقَلُّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ وَكَانَ مُنْتَفِيًا عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ، وَإِذَا اسْتَحَالَ لُحُوقُ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ انْتَفَى عَنْهُ، كَمَنْ وَضَعَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ