الحاوي الكبير (صفحة 5040)

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَبْنِي عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الِاحْتِسَابُ بِمَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ وَلَا يَقَعُ الِاحْتِسَابُ بِمَا مَضَى مِنَ الصَّوْمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعِدَّةِ بِالِانْتِهَاءِ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَةِ بِالِابْتِدَاءِ لِانْتِفَاءِ الشَّكِّ عَنْهُ.

وَالسُّؤَالُ الْخَامِسُ: إِنْ قَالَ فِي الْمُسَافِرِ إِذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ نَاوِيًا الْقَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا صَلَاةَ مُقِيمٍ وَلَا يَبْنِي وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى صَلَاةِ مُسَافِرٍ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِهَا مُسَافِرًا كَذَلِكَ الْمُكَفِّرُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ إِذَا صَارَ مُوسِرًا.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ: مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَعْتَدُّ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ إِقَامَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْتَدُّ فِي الْكَفَّارَةِ بِمَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ فَافْتَرَقَا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّوْمِ الِانْتِقَالُ إِلَى الْعِتْقِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ هَكَذَا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ لِعَجْزِهِ عَنِ الصِّيَامِ فَشَرَعَ فِيهِ فَأَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ أَوْ مِسْكِينًا وَاحِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصِّيَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَجَازَ أَنْ يُخْرِجَ بَاقِيَ الْإِطْعَامِ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْمُبْدَلِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَدَلِ وَاللَّهُ أعلم.

(مسألة:)

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ السَّاعَةَ عَنْ ظِهَارِي إِنْ تَظَهَّرْتَهُ كَانَ حُرًّا لِسَاعَتِهِ وَلَمْ يجزئه أن يتظهر لأنه لم يكن ظهاراً ولم يكن سبباً مِنْهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يُعْتَقُ عَلَيْهِ العبد لأنه قد أنجز عتقه ولا يجزيه عَنْ ظِهَارِهِ إِنْ تَظَاهَرَ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ بِسَبَبَيْنِ هُمَا: الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ فَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُودِ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَلَا تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ، وَلَوْ أَعْتَقَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ أَجْزَأَهُ الْعِتْقُ إِذَا عَادَ لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ وَتَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ.

(فَصْلٌ:)

وَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُظَاهِرَةً وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالنَّخَعِيُّ يَكُونُ ظِهَارًا تَلْزَمُهَا بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لما قالوا فتحرير رقبة} فَخَاطَبَ الرِّجَالَ بِالظِّهَارِ فِي النِّسَاءِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنَ النِّسَاءِ فِي الرِّجَالِ، وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالْعَوْدِ وَالْعَوْدُ يَكُونُ مِنَ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ كذلك الظهار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015