فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُوسِرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعِتْقِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِهِ حَرَجٌ وَلَا ضَرَرٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَجُوزَ تَأْخِيرُهُ لَكِنْ يَلْحَقُهُ فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ قَدْ يَلْحَقُهُ فِي تَأْخِيرِهَا ضَرَرٌ وَإِنْ جَازَ لِمَا عَلَيْهِ مِنِ اجْتِنَابِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: -
أَحَدُهُمَا: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُوسِرِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُعْسِرِ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الضَّرَرِ فِي تأخير التكفير.
والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا عِنْدَ الْعَوْدِ مُعْسِرًا عِنْدَ الْأَدَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ أو بأغلط الْأَحْوَالِ فَفَرْضُهُ الْعِتْقُ.
وَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ وَإِنْ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ العتق أغلظ من التكفير بالصوم.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا وَقْتَ الْعَوْدِ مُوسِرًا عِنْدَ التَّكْفِيرِ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ أَوْ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ فَفَرْضُهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ.
والحالة الْخَامِسَةُ: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا فِي الطَّرَفَيْنِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ التَّكْفِيرِ وَمُعْسِرًا فِي الْوَسَطِ فَفَرْضُهُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا الْعِتْقُ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ موسراً وعند الأداء موسر وأغلظ الأحوال اليسار.
والحالة السَّادِسَةُ: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فِي الطَّرَفَيْنِ مُوسِرًا فِي الْوَسَطِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ أَوْ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ فَفَرْضُهُ الْعِتْقُ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ أَحْوَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ كَانَ له أن يمضي على الصيام والاختبار لَهُ أَنْ يَدَعَ الصَّوْمَ وَيُعْتِقَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا دَخَلَ المكفر فِي الصِّيَامِ لِاسْتِدَامَةِ الْإِعْسَارِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي تَضَاعِيفِ صَوْمِهِ جَازَ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيُجْزِئُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنْ قَطَعَ صَوْمَهُ وَكَفَّرَ بِالْعِتْقِ كَانَ أَفْضَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا رَأَى الْمَاءَ فِي تَضَاعِيفِ صَلَاتِهِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ إِتْمَامِهَا وَبَيْنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَاسْتِئْنَافِهَا بِالْوُضُوءِ.