(من كتابي الظهار قديم وجديد وما دخله مِنَ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى والشافعي رحمه الله عليهم)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ قَالَ وَالَّذِي عَقَلْتُ ممَا سَمِعْتُ فِي {يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} الْآيَةَ أَنَّهُ إِذَا أَتَتْ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ مُدَّةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالظِّهَارِ لَمْ يُحَرِّمْهَا بِالطَّلَاقِ الَّذِي تَحْرُمُ بِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْسَكَ مَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ فَخَالَفَهُ فَأَحَلَّ مَا حَرَّمَ وَلَا أَعْلَمُ مَعْنًى أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهَا تَجِبُ بِلَفْظِ الظِّهَارِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِالظِّهَارِ وَلَا بِالْعَوْدِ وَلَا يَسْتَقِرُّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي الِاسْتِبَاحَةِ كَالطَّهَارَةِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ شرط في فعل الصلاة فإن وطء قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ وَكَانَ شَرْطًا فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ الثَّانِي فَإِنْ وَطِئَ ثَانِيَةً لَمْ تَجِبْ وَكَانَ شَرْطًا فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ أَبَدًا.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ وُجُوبًا مُسْتَقِرًّا. وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا فِي الْعَوْدِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: -
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ طَلَاقِهَا مُدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلَاقُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ إِعَادَةُ الظِّهَارِ ثَانِيَةً بَعْدَ أُولَى فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُ الْوَطْءُ.
فَأَمَّا مُجَاهِدٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِالظِّهَارِ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ