النِّكَاحِ الثَّانِي قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى. وَإِذَا عَادَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَبِمَاذَا يَصِيرُ عَائِدًا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ:
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَهُ مُرْسَلًا لَا يَنْوِي بِهِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُظَاهِرًا فَإِنَّ قَوْلَهُ كَظَهْرِ أُمِّي كَلَامٌ مَبْتُوتٌ يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ حَتَّى يُسْتَكْمَلَ بِقَوْلِ أَنْتِ عَلَيَّ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ صَرِيحًا وَإِذَا خَرَجَ بِنُقْصَانِهِ عَنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ حُكْمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُقَدِّمَ الظِّهَارَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقُولُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ فَيَكُونُ مُظَاهِرًا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ: فَأَمَّا قَوْلُهُ طَالِقٌ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَنَّهَا تَصِيرُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الظِّهَارِ كَالْمُطَلَّقَةِ فَلَا تَصِيرُ بِالنِّيَّةِ كَالْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الطَّلَاقِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَنْ يَصِيرَ الظِّهَارُ الَّذِي تَقَدَّمَ طَلَاقًا فَيَصِيرُ ظِهَارًا وَلَا يَصِيرُ بِالنِّيَّةِ طَلَاقًا لِأَنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ لَا يَصِيرُ طَلَاقًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ بِهِ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الظِّهَارِ فَيَكُونُ مظاهر وَمُطَلِّقًا وَيَمْنَعُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ أَنْ يَصِيرَ عَائِدًا.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَهُ مُرْسَلًا لَا يَنْوِي بِهِ شَيْئًا فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَبْتُوتُ اللَّفْظِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ.
وَالثَّانِي: لَمَّا رُوعِيَتْ نِيَّتُهُ فِيهِ صَارَ كِنَايَةً لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ حُكْمٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ مِنْ صَرِيحِ أَلْفَاظِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْمُوَاجَهَةِ مَا إِذَا تَلَفَّظَ بَعْدَهُ بِالطَّلَاقِ صَارَ مُضْمَرًا فِيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَ الظِّهَارَ فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ بِتَأْخِيرِ الظِّهَارِ حَرْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَرْفٌ لِلْمُوَاجَهَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتِ،
وَالثَّانِي: حَرْفُ الِالْتِزَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيَّ وَالَّذِي تَرَكَهُ مِنَ الطَّلَاقِ حَرْفُ الْمُوَاجَهَةِ دُونَ الِالْتِزَامِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ والله أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَهُوَ ظِهَارٌ) .