قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الظِّهَارَ مُلْحَقٌ بِالطَّلَاقِ فَيَقَعُ مُعَجَّلًا بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَمُؤَجَّلًا بِأَنْ يَقُولَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا قَبْلَ الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ صار مظاهراً، ويقع على صفة أن يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ شِئْتِ فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ صَارَ مُظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَمَتَى شَاءَ زَيْدٌ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَلَيْسَ بِمُظَاهِرٍ، وَيَقَعُ بِأَنْ يَحْلِفَ بِهِ فَيَحْنَثُ مِثْلَ قَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمَتَى حَنِثَ بِكَلَامِ زَيْدٍ صَارَ مُظَاهِرًا. وَيَصِحُّ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مُظَاهِرًا. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَقَالَ: إِذَا ظَاهَرَ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَقَعُ وَهُوَ مَذْهَبٌ فِي الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ.
وَالثَّانِي: يَقَعُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ لَهُ قَوْلًا ثَانِيًا وَلَا مَذْهَبًا مُعْتَمَدًا كَمَا لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ فِي الطَّلَاقِ وَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ تَخْرِيجَهُ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَصِحُّ ظِهَارُهُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ جِنْسَ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ فَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَجِنْسُ الظِّهَارِ مَحْظُورٌ فَلَمْ يَرْتَفِعْ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَمَنْ قَالَ بِتَخْرِيجِ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ بِهِ فِي تَعْلِيقِ الظِّهَارِ بِشَرْطٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ، أَوْ إِلَى أَجَلٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَيَقَعُ نَاجِزًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ قَالَ إِذَا نَكَحْتُكِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أمي فنكحها لم يكن متظاهراً لأن التحريم إنما يقع من النساء على من حل له ولا معنى للتحريم في المحرم ويروى مثل ما قلت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم علي وابن عباس وغيرهم وهو القياس) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ طَلَاقٌ قَبْلَ نِكَاحٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ظِهَارٌ وَلَا إِيلَاءٌ قَبْلَ نِكَاحٍ فَإِذَا نَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا عُقَيْبَ ظِهَارِهِ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ نِكَاحَهَا بِعَقْدٍ فَفِي عَوْدِ ظِهَارِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ.
وَلَوْ قَالَ وَتَزَوَّجَهَا صَغِيرًا: إِذَا بَلَغْتِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا إِذَا بَلَغَ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ.