الْإِبَانَةِ، وَأَمَّا الْإِدْرَاجُ فَهُوَ طَيُّ الْكَلَامِ بِسُرْعَةٍ، فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تغني فِيهِ فَفِي التَّمْطِيطِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْإِعْرَابُ الْفَاحِشُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَفْخِيمُ الْكَلَامِ وَالتَّشَادُقُ فِيهِ، وَيُكْرَهُ تَلْحِينُ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِالتَّلْحِينِ عَنْ حَدِّ الْإِفْهَامِ، وَلِأَنَّ السَّلَفَ تَجَافُوهُ وَإِنَّمَا أَحْدَثَهُ الْعَجَمُ فِي بِلَادِهِمْ، وَلَوْ خَالَفَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَيْئَتِهِ أَجْزَأَهُ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْهَيْئَاتِ لَا تَقْتَضِي الْفَسَادَ كَمَنْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ، أَوْ أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ.
فَأَمَّا إِنْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَذَانُهُ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يُحْسِنُ، وَإِنْ كَانَ أَذَانُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يُجْزِهِ، كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ.
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي بِهِمْ فَاضِلًا قَارِئًا عَالِمًا وَأَيُّ النَّاسِ أَذَّنَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُوجِبُ الِاقْتِدَاءَ بِصَاحِبِهَا وَالِاتِّبَاعَ لِمَنِ انْتَدَبَ لَهَا فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا فِي دِينِهِ، وَأَمَانَتِهِ، عَالِمًا بِالصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتِهَا وَأَحْكَامِهَا قَارِئًا لِمَا يَحْتَاجُ إِلَى قِرَاءَتِهِ [فِيهَا] فَإِنْ كَانَ حَافِظًا كَانَ أَوْلَى فَإِنْ جَمَعَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَانَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّمِ لَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأَيُّ النَّاسِ أَذَّنَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ " - يَعْنِي؛ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَخَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ".
(مسألة)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الَذِي حَفِظْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بلال وابن أم مكتوم فإن كان المؤذنون أكثر أذنوا واحدا بعد واحد ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ نَدَبَهُمُ الْإِمَامُ لِلْأَذَانِ وَرَتَّبَهُمْ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلَّا، فَلَوْ أَذَّنَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كَافَّةً لَمْ يُمْنَعُوا وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَهُ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُؤَذِّنَانِ سَعْدٌ الْقَرَظُ، وَآخَرُ وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِاثْنَيْنِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَةً، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَهُمْ حِينَ اتَّسَعَتِ الْمَدِينَةُ أَرْبَعَةً، فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَعَلَهُمْ سِتَّةً فَإِنْ زَادَ فَثَمَانِيَةً لِيَكُونُوا شَفْعًا، وَلَا يَكُونُوا وِتْرًا، ثُمَّ يُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ أَذَانِ بِلَالٍ، وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا، وَلِأَنَّ الصَّوْتَ يَخْتَلِطُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فَلَا يُفْهَمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَبِيرًا