وَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَدَنِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهَا لَا يَخْتَلِفُ لِأَنَّ الْبَدَنَ يَشْتَمِلُ عَلَى الظَّهْرِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ التَّشْبِيهُ بِهِ أَعَمَّ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَنَفْسِ أُمِّي فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ يَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا لِأَنَّ النَّفْسَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الذَّاتِ فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ كَبَدَنِ أُمِّي.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ كِنَايَةً إِنْ نَوَى الظِّهَارَ بِهِ كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الذَّاتَ فِي التَّحْرِيمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَرَامَةَ فِي التَّعْظِيمِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَرُوحِ أُمِّي فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَكُونُ صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ كَالْبَدَنِ.
وَالثَّانِي: يَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ الرُّوحَ لَيْسَتْ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَرْئِيَّةِ الَّتِي يُتَعَلَّقُ بِهَا حَظْرًا أَوْ إِبَاحَةً وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِذَا شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ لَا تَحْيَا بِفَقْدِهِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ وَإِنْ شَبَّهَهَا بِعُضْوٍ مِنْ أُمِّهِ تَحْيَا بِفَقْدِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَشْبِيهِ عُضْوٍ مِنْ زَوْجَتِهِ بِأُمِّهِ وَالْخِلَافُ فِيهَا بِنَاءٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ مَضَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ كَأُمِّي أَوْ مِثْلَ أُمِّي وَأَرَادَ الْكَرَامَةَ فَلَا ظِهَارَ وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ قَالَ لَا نِيَّةَ لِي فَلَيْسَ بِظِهَارٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِنْ كِنَايَاتِ الظِّهَارِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ مِثْلَ أُمِّي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِثْلَهَا فِي الْكَرَامَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِثْلَهَا فِي التَّحْرِيمِ فَلِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ جَعَلْنَاهُ كِنَايَةً إِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ كَانَ مُظَاهِرًا وَإِنْ قَالَ وَلَا نِيَّةَ [لَهُ] لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَجُمْلَةُ الْأَلْفَاظِ فِي الظِّهَارِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ صَرِيحًا يَكُونُ بِهِ مُظَاهِرًا نَوَى بِهِ الظِّهَارَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَكُونُ كِنَايَةً يُرَاعِي فِيهِ النِّيَّةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلَ أُمِّي.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا يَقَعُ بِهِ الظِّهَارُ وَإِنْ نَوَاهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ زَوْجَتِي هَذِهِ أَوْ كَظَهْرِ أَمَتِي هَذِهِ أَوْ كَظَهْرِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ.