قال الشافعي رضي الله عنه: (ولو تظاهر يريد طلاقا كان طلاقا أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا وَهَذِهِ أُصُولٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ الظِّهَارُ طَلَاقًا بِالْإِرَادَةِ وَلَا الطَّلَاقُ ظِهَارًا بِالْإِرَادَةِ لِأُمُورٍ مِنْهَا:
أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ مُرِيدًا لِلطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِنَسْخِهِ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الظِّهَارِ وَلَمْ يُوقَعْ عَلَيْهِ بِالْإِرَادَةِ حُكْمُ الطَّلَاقِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي التَّحْرِيمِ لِجِنْسٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ كِنَايَةً فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي حُكْمٍ غَيْرِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِتَنَافِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَلَا يَفْسُدُ بِالْعِتْقِ حَيْثُ جَعَلْنَاهُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْحَرَائِرِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِيهِنَّ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) حَيْثُ صَارَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَإِنْ كَانَ على عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ صَرِيحًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّنَا رَاعَيْنَا مَا كَانَ صَرِيحًا فِي التَّحْرِيمِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي التَّحْرِيمِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ كَالْعِتْقِ جَازَ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ الجنسين.
(مسألة:)
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا ظِهَارَ مِنْ أَمَةٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ من نسائهم} كما قال: {يؤلون من نسائهم} {والذين يرمون أزواجهم} فَعَقَلْنَا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ لَزِمَهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كَلُّهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مَنْ أَمَتِهِ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَهُوَ بِالظِّهَارِ مِنَ الْأَمَةِ قَائِلٌ مُنْكَرًا وَزُورًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُظَاهِرًا، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ فَرْجٍ مُبَاحٍ فَصَحَّ مِنْهَا الظِّهَارُ كَالْحُرَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ قَوْلِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ) فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ الظِّهَارِ فِيهِمَا.
وَدَلِيلُنَا: مَعَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا لِلزَّوْجَاتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُسِخَ حُكْمُهُ عَنْهُنَّ وَأُثْبِتَ مَحَلُّهُ فِيهِنَّ، وَلِأَنَّ مَا أَثْبَتَ التَّحْرِيمَ فِي الزَّوْجَةِ لَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ فِي الْأَمَةِ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَلْحَقْهَا الطَّلَاقُ لَمْ يحلقها