ظهار حتى يعلمه ويريده وهو قول عثمان بن عفان وابن عباس وعمر بن عبد العزيز ويحيى بن سعيد والليث بن سعد وغيرهم وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا ارتد سكران لم يستتب في سكره ولم يقتل فيه (قال المزني) رحمه الله وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ لا أتوب لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فهو أحد قوليه في القديم) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَجْنُونَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمْ وَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُمْ فَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ سُكْرُهُ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ كَمَنْ شَرِبَ شَرَابًا ظَنَّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ فَكَانَ مُسْكِرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ أَوْ شَرِبَ دَوَاءً فَأَسْكَرَهُ فَهَذَا كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحَّ ظِهَارُهُ.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ سُكْرُهُ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ شُرْبَ الْمُسْكِرِ فَيَسْكَرُ. فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي طَلَاقِهِ وَظِهَارِهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَمَا ظَهَرَ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ أَنَّ طَلَاقَهُ وَظِهَارَهُ وَاقِعٌ كَالصَّاحِي وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْقَدِيمِ أَنَّ طَلَاقَهُ وَظِهَارَهُ لَا يَقَعُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ قَوْلًا ثَانِيًا لِثِقَةِ الْمُزَنِيِّ فِي رِوَايَتِهِ وَضَبْطِهِ لِنَقْلِهِ وَنَفَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَامْتَنَعُوا مِنْ تَخْرِيجِهِ قَوْلًا ثَانِيًا لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً ضَابِطًا فَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْقَدِيمِ، وَمَذْهَبُهُ فِي الْقَدِيمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الْقَوْلُ وَإِمَّا أن يكون منقولاً من أَصْحَابِ الْقَدِيمِ وَهُمُ الزَّعْفَرَانِيُّ وَالْكَرَابِيسِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثُ وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَالْقَفَّالُ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْقَدِيمِ مَذْهَبًا لَهُ فَوَهِمَ وَنَسَبَهُ إِلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ يَرَى ذَلِكَ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ، فَصَارَ مَذْهَبَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ وَظِهَارَهُ وَاقِعٌ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأوْزَاعِيُّ فِي أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّامِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَظِهَارُهُ لَا يَقَعُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَاسْتَدَلُّوا