الْإِصَابَةِ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ لِيَكُونَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا فِي وُجُودِ الْإِصَابَةِ لَمْ يُرْجَعْ فِيهَا إِلَى قَوْلِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَاهِدَ ذَلِكَ النِّسَاءُ الثِّقَاتُ فَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ بِأَنَّهَا بِكْرٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي إِنْكَارِ الْإِصَابَةِ، وَإِنْ شَهِدْنَ بِأَنَّهَا ثَيِّبٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ثبوت الإصابة.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوِ ارْتَدَّا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا أَوْ رَجَعَ مَنِ ارْتَدَّ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ اسْتَأْنَفَ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ كُلِّهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَّ له الفرج ولا يشبه هذا الباب الأول لأنها في هذا الباب كانت محرمة كالأجنبية الشعر والنظر والجس وفي تلك الأحوال لم تكن محرمة بشيء غير الجماع (قال المزني) القياس عندي أن ما حل له بالعقد الأول فحكمه حكم امرأته والإيلاء يلزمه بمعناه وأما من لم تحل له بعقده الأول حتى يحدث نكاحاً جديداً فحكمه مثل الأيم تزوج فلا حكم للإيلاء في معناه المشبه لأصله) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَتُسْقِطُ الْوَقْفُ الثَّانِي اسْتِحْقَاقَ الْمُطَالَبَةِ وَزَمَانُهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الرِّدَّةُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعُدِ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا إِلَى الإسلام إلى بَعْدِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَدْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ، وَسَقَطَ بِهَا حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ فَسْخٌ، فَإِنْ عَادَ فَنَكَحَهَا فَهَلْ يَعُودُ الْإِيلَاءُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي أَمْ لَا؟ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْفُرْقَةِ بِالْفَسْخِ، هَلْ تَجْرِي مَجْرَى فُرْقَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، أَوْ مَجْرَى مَا دُونَهَا، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ عَلَى قوله في الجديد كله وأحد قوليه في الْقَدِيمِ، وَيَعُودُ الْإِيلَاءُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْقَدِيمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى مَا دُونَ الثَّلَاثِ، فَعَلَى هَذَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ عَلَى قوله فِي الْقَدِيمِ كُلِّهِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ وَلَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الْجَدِيدِ، فَأَمَّا إِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إِلَى الْإِسْلَامِ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ وَاسْتُوقِفَ لَهُ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لَا يَبْنِي عَلَى ما مضى منها فإن انقضت طولب بالفيئة أو الطلاق إلى أَنْ تَكُونَ الرِّدَّةُ فِي الْوَقْفِ الثَّانِي وَهُوَ زَمَانُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يُعَادُ الْوَقْفُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ كاملاً قبل الردة فإن قبل فَهَلَّا اسْتُؤْنِفَ الْوَقْفُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَمَا يُسْتَأْنَفُ الْوَقْفُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، قِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّاهَا حَقَّهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُوفِّهَا حَقَّهَا بِالرِّدَّةِ، فَلِذَلِكَ سَقَطَ بِالطَّلَاقِ حُكْمُ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ وَاسْتُؤْنِفَ لَهُ وَقْفٌ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِالرِّدَّةِ حُكْمُ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يُسْتَأْنَفْ لَهُ الْوَقْفُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.